رسالة لأهل مكة
بدأت مكة تتلقف الحجيج الذين بدأوا يتوافدون من كل حدب وصوب، جاءوا وهم يحملون الشعور بأن من يلقاهم ويرونه ويراهم من نسل الصحابة ومن أحفاد الرعيل الذي غير مجرى التاريخ إخلاصاً للرسالة وسمواً في الأخلاق وعلواً في الهمة.. جاءوا ليروا أبناء هذا البلد الذين يمثلهم أهل مكة في صورة تلاقح ثقافي حتمي مع كل من يعمل في مكة، ومن هنا فلابد أن يتجه الخطاب لأهل مكة فهم الشركاء والأهل والأخوة والأحباب.
فإليكم رسالة محب يرى أنكم حظيتم بما لم يحظ به غيركم في أي أرض، فأنتم ترسمون صورة (إيجابية أو سلبية) عن ثقافة أهل هذا البلد، ومن خلالكم ترتسم لهؤلاء الضيوف الأخلاق وتظهر لهم السلوك التي يتمتع بها مجتمعكم فيحكمون عليه بما يلقونه منكم.. نعم ستصافح أعينهم الجهود التي قدمت لتوسعة الحرم والاهتمام بالمشاعر والعناية بالنظافة والصحة، ولكن اكتمال الصورة واتساق العطاءات وجمال المظهر لا يظهر إلا بجمال المعشر، وهذه مسؤوليتكم أنتم ــ سواء كنتم بمكة سكاناً ــ أو قدمتم إليها طلباً للمنافع بمفهومها العام المادي والمعنوي ــ فارسموا نموذجاً تعاملياً وصفات إيمانية وأخلاقاً إسلامية وثقافة تسامحية تعكس وجودكم بجوار أول بيت وضع للعبادة منذ إبراهيم عليه السلام.
إن المسؤولية عليكم عظيمة والمهمة جسيمة، فاحرصوا على أن ترتسم في سلوككم صفات المؤمنين وأخلاق الدعاة الصالحين وساهموا في أن تجعلوا الانطباع عن أبناء وطنكم صورة مشرقة وأن تصوغوا بتعاملكم نموذجاً يميط ضباب الرؤية المشوشة عنكم وعن وطنكم، فهؤلاء ضيوف وسفراء لبلدانهم ومراسلون لإخوانهم، ترصد أعينهم ما تراه وتنقل ذاكرتهم ما تلقاه، فشدوا على أيديهم بأيدكم وضموا إلى قلوبهم قلوبكم، واجعلوا عقولكم وفكركم وقواكم مسخرة للغايات النبيلة التي جاءوا من أجلها.. أهل مكة: يطرق سمعكم ما يقال عنكم وعن بلدكم كل يوم فهذه فرصتكم لتبددوا السحب التي حجبت عند الكثيرين الرؤية الصادقة لما نحن عليه، فلا يرى الحاج منكم امتناناً ولا إذلالاً ولا تكبراً ولا استغلالاً، بل اجعلوا شرفكم في أن تخدموه ورفعتكم أن تكرموه وغايتكم أن ترشدوه.. وأخيرا أدعوكم (أهل مكة) وأرضها الطيبة وعلى ثرى بقعتها الطاهرة أن تحسنوا استقبال ضيوفكم كعادتكم وتتصدقوا بالبشاشة والبشر وطلاقة الوجه وإظهار السرور بهم ولهم، ولا يطغى عليكم الطمع والجشع ولا تأخذكم العزة بالإثم فتفتون بغير علم، وأخيرا تذكروا أنكم نتاج تربية إسلامية وإفراز مجتمع مسلم. وألقاكم.
عكاظ 1433/12/6هـ