مكة .. وجودة التعليم الشرعي واللغوي

منذ بزغ فجر الإسلام ومكة المكرمة موئل العلم الشرعي واللغوي.
فعلى جبل الصفا، وفي دار الأرقم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أوائل أصحابه شرائع الإسلام الأولى. وفي حرمها الشريف كان الصحابي الجليل حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما يتصدر لتفسير كتاب الله، وكان غيره من الصحابة الكرام ينشط في رواية الحديث والفتيا، ثم تعاقب الأعلام المكيون من شرعيين ولغويين كعطاء بن أبي رباح، وسفيان بن عيينة، وطاووس بن كيسان، وابن حجر الهيتمي، والمعلمي، والمشاط، وشطا، ودحلان. وهكذا ظلت مكة طوال تاريخها رمزا لجودة التعليم الشرعي واللغوي، ومصنعا لجهابذة العلماء واللغويين، بل والشعراء المتفننين. وحين أذن الله لفجر المملكة العربية السعودية أن يشرق، واصلت مكة ريادتها العلمية في هذه المجالات، فقد صدر الأمر الكريم بافتتاح كلية الشريعة والدراسات الإسلامية سنة 1369هـ في مكة المكرمة، وأنشئ معهد تعليم اللغة العربية سنة 1391هـ، وفي سنة 1352ه صدر الأمر الملكي بافتتاح دار الحديث بمكة المكرمة، ثم استقلت جامعة أم القرى سنة 1401هـ لتكون في طليعة الجامعات الإسلامية المعنية بعلوم الشريعة والعربية، وليكون إنتاجها البحثي في الدراسات العليا الشرعية والعربية من أكثر وأقوى الإنتاجات على مستوى العالم العربي. كل هذه العراقة المكية في سياق العلوم الشرعية واللغوية كان سببا في أن تحظى جامعة أم القرى باحتضان (مركز الجودة الشاملة والاعتماد الأكاديمي الدولي للدراسات الإسلامية والعربية)، وأي مدينة أولى بمثل هذه المرجعية من مكة المكرمة مهبط الوحي، ومنبع علوم اللغة والشريعة؟.


ويمثل هذا المركز ضرورة ملحة، لأن الأمة الإسلامية بحاجة إلى تطوير مناهج مؤسساتها العلمية، ومقررات جامعاتها بما يحفظ أصالة علومها ويتواكب مع مستجدات العصر، وما فيه من صراعات حضارية وثقافية، ومثل هذه الغاية تحتاج إلى مرجعية أكاديمية لها قيمتها وهيبتها ونزاهتها وكفاءتها، بحيث تتولى هذه المرجعية التقويم والتسديد وبيان العوج ورسم خارطة الطريق، وذلك ما نؤمل بإذن الله أن يقوم به المركز من خلال تقديم الاستشارات الإدارية والعلمية للتعليم الجامعي، ومراجعة البرامج والشروط التي تؤدي إلى جودة المخرجات. ولقد عقد المركز منذ أيام قليلة ملتقاه العلمي الأول تحت عنوان: (الآفاق والرؤى المستقبلية)، وجاء هذا اللقاء حافلا بالعديد من أوراق العمل التي أسهمت بها كافة جامعات المملكة إضافة إلى الهيئات الوطنية المعنية بالجودة والاعتماد. أعلم يقينا أن العبء ضخم، وأن الهدف جليل، ولكن جامعة أم القرى قبلت التحدي وشرعت في السير، ونرجو أن تضرب من نفسها مثلا في الجودة ، كما أرجو أن يبلغ هذا المركز مأموله وأن يكون قبلة أولى في مجالات الجودة والاعتماد فيما يتعلق بعلوم الشريعة واللغة..


شكرا لخادم الحرمين الشريفين، فلولا إرادته السياسية الواعية التي تطمح إلى أن تكون المكانة العلمية لبلادنا بحجم مكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية لما كان هذا الإنجاز.


وشكرا لوزارة التعليم العالي، وشكرا للجامعة الأم: جامعة أم القرى.
* مدير جامعة أم القرى.

عكاظ 1433/11/23هـ