الأسلوب الأمثل لرد الإساءات
إن الحماس مهما بلغ حده، ومهما أدّى إليه من رفع الأصوات وإحداث الضجيج، وذرع الميادين والشوارع في مظاهرات، تبدأ سلمية وتنتهي بعنف غير مبرر، يعظم ضرره، وحتمًا لا يتضرر إلاّ ما خرجنا من أجل الدفاع عنه، أقصد ديننا ونبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- فهذا الحماس قل أن يكون مفيدًا، فما حدث من قبل في قضايا الإساءات المتكررة للإسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- تنتهي إلى ردة فعل أضرارها فادحة على المسلمين لا على المسيئين، وحماية الدين وصونه حتمًا ليس من آلياته حماس غير منضبط، ومظاهر سلبية لا تفيد، بل إن حماية الدِّين وصونه إنما تبدأ في دواخل نفوس المسلمين، حيث يجب أن توجه الجهود كلها لترسيخ حقائق الدِّين، أصوله وفروعه في النفوس، حتى يأتي القول والفعل على وفق أحكامه، فيكون الأفراد في أرض المسلمين وغيرها نماذج مضيئة لسلوك بشري راقٍ، يجبر الناس على احترامه، والتواصل مع الآخرين على أرقى ما يكون التواصل البشري، وخلق هذه النماذج المضيئة تحتاج العلم الذي أهمله المسلمون ولم يطوروه، والعمل على ما أرشد إليه وهدى، وأضاء الطريق إليه، حتى نكون الأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، فكما كان خلق سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- القرآن، فعلى كل مسلم أن يكون على نهجه يسير، وعلى خلقه مقيمًا، فإذا ما يدعو إليه هو من يمثل النموذج الأرقى له، وهذا الأمر قد أهمل في أرض المسلمين منذ أزمان بعيدة، حيث ساء التعليم في كثير من بلادهم، وغابت التربية، وظهرت النماذج الأسوأ، التي ترسم الصورة المشوّهة للإسلام عبر النظر إلى أفراده وجماعاته، فلنعد إلى أنفسنا، ولنتذكر أن الله عز وجل حينما قال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، إنما أراد أن يدلنا على الطريق لتحقيقها من علم يقيني يرقى بالبشر إلى مصاف مَن يأتمرون بما أمرهم به الله، وينتهون عمّا نهى الله عنه، فإذا كل منهم يحقق الغاية المثلى في الحياة، يعبدون الله ولا يشركون به شيئًا، يعدلون مع أنفسهم ومع الناس، وغايتهم بما يقولون ويفعلون أن يرضى الله عنهم، فيحقق لهم الأمان والاستقرار والعزة والكرامة في دنياهم، ويهدون إليه الناس، ينقلون إليهم محاسن الدِّين بأفعالهم لا بأقوالهم فقط، ولو وجدت هذه الأمة التي حكم الله لها بالخيرية، لكانت هي الرد الحاسم على كل مسيء ساخر بتفاهات قذرة، فلنبدأ بهذا ثم لتستنير عقولنا فننقل إلى الناس ديننا في أجلى صورة بما فيه من أسمى القيم، التي جعلت الناس يدينون به، ويعتنقونه على مرِّ العصور،
ولنخاطب الأمم بلغاتها المختلفة في مراكز علمية متقدمة، نحشد لها نوابغنا من العلماء المبدعين، يقدمون للناس أزهى صورة للإسلام، كما جاء بها كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- عبر مختلف الوسائل العصرية لنقل المعلومات، ولتكن لنا مراكزنا العلمية لدراسة ثقافات الأمم للاستفادة منها، والتأثير فيها بأساليب علمية متقدمة ومعتمدة، عبر خطط مرسومة، ولتكن لنا جماعات ضغط في مراكز القوى العالمية ممّن يعتنقون ديننا من أهلها، وممّن نستطيع التأثير فيهم عبر ثقافتنا التي نجودها باستمرار لتصل إلى الناس تقنعهم بأننا الأمة الوسط، التي تمثل الخيرية التي تميّزها عمّا سواها، فلنصرف حماسنا هذا إيجابيًّا في صنع صورة تنبئ عن واقع المسلم الذي يريد لنفسه ولأمته ثم للعالمين الخير، ويهدي الناس إليه بقوله وفعله، وبمشاركته الجادة الفاعلة في بناء حضارة عصرية تنهض بالإنسانية إلى أرقى أساليب الحياة،
فقد مضت بالأمة الإسلامية العقود وأساليبها في حياتنا في تدنٍ مستمر، ليطمع الآخرون فينا، حيث قولبوا صورة مشوّهة لديننا ورموزه، ولتغيير هذه الصورة نحتاج إلى بذل مزيد من أرقى الجهود للرقي بهذه الأمة، لا بمجرد حماس عمّا قليل يخبو، ولا يبقى في أذهان الناس منه إلاّ ما تطور منه إلى عنف مدمر، ولا يبني للأمة النموذج الأمثل في عالم الناس، فهل نحن لهذا فاعلون؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.
المدينة 1433/11/8هـ