مقترحات لاستعادة بعضٍ من ذاكرة مكة وذكرياتها

من المعروف أن مكة شرّفها الله شهدت ولا تزال تشهد هدميات شملت معظم أحيائها القديمة، وأتت على الكثير من ذاكرة مكة وذكريات أهلها وزوراها، وبحكم الأثر الذي وقع في نفسي وكثير من المكيين فقد لمعت في ذهني بعض المقترحات التي قد تساهم في استعادة بعضًا من ذاكرة وذكريات مكة المكرمة، دون الإخلال بالوظائف المنشودة من المساحات الشاسعة التي نتجت عن الهدميات؛ أضعها تحت أنظار ولاة الأمر وكلي أمل أن يوجهوا باعتماد مبدأها وتبني فكرتها وتطويرها لتُنفَّذ على أحسن ما يكون، شجّعني على ذلك ما اطلعت عليه من عناية الجهات المختصة بالمباني والمواقع التاريخية في عدة أماكن وترميمها، وإعادة بناء بعضها وفقًا لطرازها الأصلي، وكذلك عناية هيئة الآثار التي امتدت أخيرًا لآثار مكة عندما أوقفت هدم مبنى أثري في الساحات الشرقية للمسجد الحرام.


ولعلي أبدأ مقترحاتي باستعادة المدّعى ومَقْرَاة الفاتحة، فأقول بناءً على اعتبارات منها:
أن المدّعى هي الطريق المستدام إلى (جنة المعلاة) وأن العلاقة بين المسجد الحرام والمعلاة قائمة إلى قيام الساعة حيث ستظل الجنائز تنتقل من المسجد الحرام للمعلاة سواءً على الأكتاف أو على المركبات وأن المفترض أن يكون ضمن مخطط تطوير الساحات الشرقية والشمالية توفير ممرات للمشاة ووجود حاجة لرواد المسجد الحرام لما توفره الأسواق من مأكل ومشرب وملبس وهدايا.


فاقتراحي هو إعادة بناء المدّعى في نفس مكانها أو قريبًا منها، وتظليلها وبعرض أكبر من السابق وإقامة محلات تجارية ومرافق على جانبيها لخدمة الزوار. وإعادة بناء المدّعى سوف يسمح لنا باستعادة مواقع أخرى على جادتها، مثل مَقْرَاة الفاتحة والجودرية وبعض (مداخل) الأزقة القديمة، مثل زقاق البخارية وزقاق ملائكة وغيرها. هذا مع الأخذ في الاعتبار تخصيص مسار آلي لنقل الجنائز وسيور متحركة لمرافقيها وللمشاة عمومًا، وأيضًا مسار للمركبات من المسجد الحرام إلى المعلاة لا يتقاطع مع المشاة.


أما الاقتراح الثاني فهو استعادة موضع مسجد الراية من خلال بناء مسجد بانورامي الجدران بحيث يسهل ربطه بالمسجد الحرام عندما تمتد الصفوف في المواسم، فبذلك نحفظ موقع غزة راية الحبيب صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ونوجد مسجد يُصلي فيه أصحاب المحلات في المدّعى ومن يقابلهم في شعب عامر طوال العام ويُربط بالمسجد الحرام في المواسم كما ذكرت آنفًا.


الاقتراح الثالث متعلق بالبازان الذي قام الملك عبدالعزيز ببنائه عام 1355هـ على مجرى قناة مياه عين زبيدة، وأمرت هيئة السياحة بالمحافظة عليه، وهو قائم اليوم في موضعه في الساحات التي نتجت عن هدميات الفلق التي جرت قبل رمضان الماضي، فباعتبار أن المنطقة تحتاج إلى مياه شرب وميضات ودورات مياه، فإن بالإمكان أن تُقام في نفس مكان البازان وحوله منظومة منها على أن يتم تجديد بنائه ويكون في واجهة المنظومة.


أرجو أن تحظى الاقتراحات بالتأمل والعناية والتحقيق بإذن الله، وأن تكون بداية لاستعادة أكثر ما يمكن مما فقدناه من ذاكرة وتاريخ مكة وذكريات أهلها وزوارها، وذلك من خلال إعادة تجسيد بعض الأماكن، واستعادة أسمائها التي يعود تاريخ بعضها إلى مئات السنين، دون الإخلال بالوظائف الأساسية المستهدف تحقيقها من الهدميات والتوسعات الجارية.

المدينة 1433/10/28هـ