جريدة «مكة».. على بركة الله!

يجب ألا نكون متفائلين كثيرا ونحن نطالب الصحافة المحلية بالتطوير في ظل ظروف تحتم على الصحافة السعودية أن تواكب التطورات المذهلة في عالم النشر، والسبب أن نظام المؤسسات الصحفية الذي يحكم الصحف المحلية نظام لا يساعد الصحف على التطوير، بل بالعكس يضع الكثير من العراقيل أمام المؤسسات الصحفية، التي أخذ الكثير منها يعمل خارج نظام المؤسسات الصحفية، لأن هذه المؤسسات تجاوزت النظام وحققت إنجازات هائلة خارج قواعد النظام.

إن ما يشد الانتباه في نظام المؤسسات الصحفية هو الاهتمام بالصحيفة وعدم الاهتمام بالصحفي، أي إن النظام لم يفصل بين الصحافة كمهنة، والصحافة كنظام إداري، بل عجن المهنتين في البناء الإداري للمؤسسة الصحفية، الأكثر من هذا أن النظام لم يضع قواعد لتطوير المؤسسات الصحفية، إنما وضع قواعد لقيام المؤسسات الصحفية على أساس بيروقراطي لا يحفل كثيرا بالتنمية والتطوير، فمثلا بدءا باشتراطات الترخيص، وتشكيل الجمعيات العمومية وانتخابات مجالس الإدارات حتى مسوغات اختيار المدير العام ورئيس التحرير، وهي مسوغات مضطربة وغير واضحة المعالم.

كذلك فإن تعريف الشركة في نظام الشركات (المادة 1) يختلف تماما عن تعريف المؤسسة في نظام المؤسسات الصحفية، فنظام الشركات يُعرّف الشركة بأنها عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة، لكن نظام المؤسسات الصحفية (المادة2/ب) يُعرّف المؤسسة بأنها منشأة خاصة هدفها إصدار مطبوعات دورية يكون رائدها خدمة المجتمع بنشر الثقافة والمعرفة ملتزمة الصدق والموضوعية، كذلك نذكر على سبيل المثال أن نظام المؤسسات الصحفية (المادة 6/ج) يشترط في عضو المؤسسة أن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل أو أن يكون من رجال العلم والفكر والإعلام أو من رجال الأعمال المهتمين بالثقافة، لكن نظام الشركات لا يشترط في عضو الشركة أن يحمل مؤهلا علميا، كما أن لوائح هيئة سوق المال تشترط أن تكون الأوراق المالية قابلة لنقل الملكية والتداول لتسريع وتسهيل عمليات نقل الملكية، فإن نظام المؤسسات الصحفية (المادة 7) يضع الكثير من العراقيل أمام نقل الملكية، بينما هيئة سوق المال تعتبر عمليات بيع وشراء أسهم الشركات من الظواهر الصحية التي تُنعش سوق الأسهم، فإن عمليات بيع وشراء الأسهم لا تشكل هدفا تسعى إليه المؤسسة الصحفية.

وإزاء ذلك يمكننا القول: إن النظام لم يضع قواعد لتطوير المهنة الصحفية مع أنه يطالب المؤسسات بتقديم عمل صحفي فريد ومميز.

لقد حاولت صحف عريقة مثل صحيفة ''الندوة'' وصحيفة ''البلاد'' التخلص من سطوة نظام المؤسسات الصحفية، لكنها لم تستطع التخلص من النظام الذي يحكم قبضته على الصحف المحلية.

ومن أجل إيجاد مخرج لصحيفة ''الندوة''، الصحيفة الوحيدة التي تصدر في مكة المكرمة طُلب من الشيخ صالح كامل ابن مكة البار أن يرأس مجلس إدارتها ويعمل على إنقاذ صحيفة ''الندوة'' من المصير الذي أوشك أن يأخذ ''الندوة'' إلى عالم الماضي، فكان طلبه أن يطور ''مؤسسة مكة للطباعة والإعلام'' على أساس نظام الشركات وحرية رأس المال، وليس من خلال تطبيق نظام المؤسسات الصحفية، بمعنى أن يعاد هيكلة ''مؤسسة مكة للطباعة والإعلام'' على قواعد قطاع الأعمال الذي ينشد ــ في الأساس ــ الجودة والربح وليس فقط أداء الخدمة.

إن أول خطوة بدأها الشيخ صالح كامل هي تكليف شركة الشرق الأوسط للاستثمار المالي (ميفيك كابيتال) كمستشار مالي القيام بزيادة رأس المال عن طريق طرح أسهم ''مؤسسة مكة للطباعة والإعلام'' للاكتتاب مع وضع المواءمات الضرورية بين نظام المؤسسات الصحفية وأنظمة ولوائح سوق المال.

ويعتبر هذا الطرح أول طرح لمؤسسة صحفية سعودية تضطلع به شركة مالية متخصصة قامت بالتوفيق بين نظامي المؤسسات الصحفية ولوائح هيئة سوق المال.

وحينما اكتملت هذه الدراسة تقدم صالح كامل بملف تطوير ''مؤسسة مكة للطباعة والإعلام'' إلى وزارة الثقافة والإعلام التى قامت من جانبها برفع الملف إلى المقام السامي ليصدر أوامره بالتنفيذ، وبذلك تم تجاوز كل العقبات التي يزخر بها نظام المؤسسات الصحفية، وطبعا كان على رأس مشروع التطوير تغيير اسم الندوة إلى صحيفة ''مكة''.

إن الحكومة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حريصة على تطوير الصحافة السعودية المحلية، وحريصة على تصحيح أوضاعها حتى تستطيع أن تقوم بدورها الإيجابي في مجالات التنوير والإرشاد والتنمية.

إن المؤسسات الصحفية كلها وليس فقط ''مؤسسة مكة للطباعة والإعلام'' في حاجة ماسة إلى مثل هذه المواءمة بين نظامي المؤسسات الصحفية وأنظمة ولوائح هيئة سوق المال، والأهم من ذلك أن الصحافة المحلية في أمسّ الحاجة إلى نظام جديد يحررها من قفلات النظام القائم.

ونُسلّم بأنه لا يمكن أن نطالب بتطوير الصحافة المحلية قبل أن نُطور نظامها إلى نظام يدعم عمليات التطوير والتغيير والتحديث، وبهذه المناسبة هناك ملاحظة يجب الإشارة إليها بقوة وهي أننا في النظام الجديد نريد نظاما للصحافة، وليس نظاما لمؤسسات الصحافة. نريد نظاما يضع قواعد وأسس صحافة عصرية، وليس مجرد مؤسسات لهذه الصحافة ترزح تحت نير قواعد تمنعها من الحركة والانطلاق.

الاقتصادية 1433/10/9هـ