الاختناقات المرورية في منطقة الحرم

تشهد منطقة مكة المكرمة في رمضان الكريم ازدحامًا يتنامى عامًا بعد عام، فمع فتح باب العمرة تزداد الأعداد الوافدة ويتضاعف لأدائها في هذا الشهر بما يفوق المعدّل الطبيعي.. ومع استمرار بعض الأهالي في تكرار الاعتمار في هذه الأيام يجعل من الصعب التعامل مع هذه الأفواج في منطقة مكة التي باتت تنوء مرافقها وخدماتها بحمل هذا العبء الكبير.. وعلى صعيد الحرم ومنطقته وما حولها والمواقف تزداد شكوى الناس منها، فما هي المشاكل وما هي الحلول؟!


إن المشكلة تتكرر في كل عام من حيث صعوبة وصول الناس للحرم، والرجوع إلى سياراتهم، فمداخل مكة الرئيسة التي يتوافد منها المعتمرون دومًا هي من ثلاثة شوارع: شارع محبس الجن، وشارع أجياد، وشارع إبراهيم الخليل عليه السلام، وكلها تصبّ إلى الحرم مع استمرار الاختناق المروري في شارع أجياد بسبب ضيقه وإطلالة المحلات والمطاعم عليه، وإصرار المرور على خطة واحدة فيه منذ زمن، وهي إنزال المعتمرين من المركبات في منطقة قبل الكوبري وإجبارها على الدوران للخلف في وضع فيه معاناة شديدة لكبار السن والضعفاء تتكرر كل عام!!.


أضف إلى ذلك جشع وفوضى أصحاب السيارات الخاصة التي تقلّ الناس من المواقف، وسوء أحوالها ورداءتها، وليس ثمة بديل للناس إلا استخدامها، لأن حافلات النقل الجماعي مكتظة وبطيئة، وتأخذ من الوقت والجهد ما يجعل الناس يعزفون عنها ويلجأون لتلك السيارات الصغيرة.
والحرم ورغم تلك الزيادات في أعداد المعتمرين والحجاج لا يُشكِّل الوضع فيه معضلة أبدًا، فمع التوسعات وتعدّد الأدوار أصبح قادرًا على استيعاب الازدحام رغم شدّته إلا أن الأمر مقدور عليه.


في الوقت الذي يزيد فيه الاهتمام على توفير العمارات الشاهقة والفنادق والغرف لإسكان الناس حول الحرم والاستثمار في تلك المساحة الضيقة استغلالًا لمنطقة تضيق مع زيادة حشر العمارات فيها.. كل ذلك دون التفافة إلى حل مشكلة المواقف حولها، فالكل يريد توفير الغرف، ونسي أو تناسى توفير المواقف حولها وفيها.. فأين يذهب الناس؟!


إن قضية ازدحام منطقة بعينها في موسم أو زمن بعينه ليست بدعًا ولا شيئًا جديدًا حول العالم؛ في المهرجانات والأولمبياد ومرافق الترفيه للأطفال.. ولكن الاختلاف والمشكلة تكمن في التخطيط الهندسي السليم لتدارك التعامل مع هذه الحشود.. ولقد نجحت الدولة في التخفيف من حدة المعاناة في المشاعر خلال موسم الحج.


وقد آن الأوان لإنشاء مبانٍ لتوفير مواقف -وليس غرف- حول مداخل مكة الثلاثة التي ذكرتها؛ لتستوعب أعداد السيارات حتى لو وصلت إلى 20 مبنى للمواقف.. ومن ثم تأتي خطة ربط تلك المواقف ليس بحافلات النقل الجماعي أو تركها لاجتهادات وسوء استغلال الأفراد، ولكن بوسائل مواصلات متقدمة تليق بالمكان وروّاده، فهم ضيوف الله.. فكما تم حل مشكلة قطار المشاعر في الحج يمكن حل الازدحام في هذه المنطقة، إذ لابد من خطة هندسية لشبكة مواصلات بالقطارات أو العربات الكهربائية في نقل ترددي مُتكرِّر يركبه الناس ويعودون به إلى تلك المواقف المتعددة، فهل في تنفيذ ذلك معضلة؟!
وإذا ما بدأنا مشروعًا طموحًا مثل ذلك، ونشرنا عنه للناس، ووضعنا جدولًا زمنيًا لتنفيذه، عندها نستطيع أن نقنع الناس بتخفيف مرات الاعتمار وتأجيلها، أو إعطاء الفرصة لمن لم يعتمر حتى يؤدي عمرته.


وكذلك إعادة النظر في فتح باب العمرة من خارج الوطن وتحديدها، حتى تنجز مثل تلك المشروعات، فنساعد في القضاء على تلك الاختناقات المرورية والمشاكل المكانية الجغرافية المتكررة منذ سنين عديدة دون حل، وبالتالي نُقدِّم راحة لمرتادي الحرم في مكة المكرمة على مرّ الزمان.
دوحة الشعر...
تنازع يا إلهي الهمّ نفسي
وأثقل مهجتي غدر الأعادي

جريدة المدينة 1433/9/22هـ