إخراج الدوائر الحكومية من منى لا يكفي !!

نشرت الصحف خبراً حول مناقشة لجنة الحج العليا في اجتماعها الأخير الذي عُقد قبل أسبوعين برئاسة رئيسها سمو الأمير نايف بن عبد العزيز ؛ موضوع إخلاء مشعر منى من مواقع الدوائر الحكومية التي لا تقدم خدمات أساسية مباشرة في الحج وذلك لإيجاد مساحات إضافية تزيد من الطاقة الاستيعابية لإسكان الحجاج بهذا المشعر.


و قد ذكرني الخبر بقرارات سابقة مشابهة قضت بإخلاء جهات أخرى ، و عادت بي الذاكرة إلى حادثة الحريق الكبرى يوم التروية في منى عام 1417هـ الذي على أثره صدرت التوجيهات مطلع عام 1418هـ بإنشاء الخيام المطورة المقاومة للحريق ، فكتبت في حينها مقالاً في جريدة الندوة عنونته بـ (الخيام المقاومة للحريق .. هل هي البديل الأمثل ؟) ، ونُشر بتاريخ 2/11/1418هـ ، و قلت حينها أن بديل الخيام لا يعالج مشكلة الإسكان في منى بكل أبعادها ، برغم أنه سيجعل الإقامة في الخيام أفضل من الخيام السابقة ، لتوفر الكهرباء و التكييف و الماء ودورات المياه وغيرها بمستوى أفضل.


و تساءلت هل الخيام المقاومة للحريق ستقضي مثلاً على أم المشاكل في منى ، وهي مشكلة الافتراش ؟؟ و أجبت بالطبع لا .. فالخيام كبديل إسكان يظل بديلاً قاصراً ولا يمكنه مواكبة الزيادة المطردة في أعداد الحجاج عاماً بعد عام ، لأن الخيام غير قابلة لتعدد الأدوار ، وهذا يجعل مساحة الإسكان -والمحدودة بمساحة منى شرعاً- ثابتة في حين أن عدد السكان في تزايد مستمر ، وهذه الزيادة في أعداد السكان وثبات مساحات الإسكان ، سيعزز استمرار أم المشاكل -الافتراش- واستشراءها، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن المساحة المخصصة للحاج مع مرور الزمن هي أيضاً في تزايد.
وهذا ما أثبتته الأيام و هو ما يحصل عاماً بعد عام فظاهرة الافتراش في تزايد و آثارها في إعاقة عموم الخدمات تتزايد أيضاً.


وما أثبتته الأيام أيضاً هو تقلص المساحة المخصصة للحاج في مشعر منى نتيجة لزيادة أعداد الحجاج و ثبات مساحة الخيام فقد تقلصت من 1.6متر مربع وهي المعتمدة عند تنفيذ المشروع إلى 0.85 متر مربع قبل عامين ، و تراجع كفاية المرافق مثل دورات المياه و المطابخ و الممرات للأعداد التي تسكن المخيمات. وهو ما يدفع بالمزيد من الحجاج للخروج من المخيمات و افتراش الممرات و الشوارع المحيطة.


هذا بالإضافة إلى أن بديل الخيام فرض علينا تقليص المساحات الواجب تخصيصها للطرق و المرافق و المطاعم و المحلات التجارية التي تلبي احتياجات الحجاج في أيام منى التي هي أيام أكل و شرب كما جاء في الحديث و تحقق جزء من المنافع الاقتصادية التي أشارت لها الآية الكريمة (ليشهدوا منافع لهم).


إن نقص المطاعم و المحلات التي تبيع الأغذية في منى يؤدي أحياناً إلى ارهاق الحجاج الذين قد لا تصل إعاشتهم بسبب الاختناق المروري أو الافتراش أو أي خلل لدى المتعهد كما حدث مع حجاج مؤسسة جنوب آسيا قبل سنوات.


لذلك فإن علينا سرعة التوجه نحو البناء في منى ، والذي تكررت المطالبة به على مدى يتجاوز نصف قرن و لدي ما يُثبت ذلك من أرشيف صحافتنا المحلية ، فهو الحل الأمثل لأنه سوف يمكننا من مضاعفة مساحات الإسكان و يتيح لنا إمكانية التوسع الرأسي ، و يُفسح المجال لتوفير مرافق كافية (مطاعم – مطابخ – متاجر – دورات مياه – طرق حركة للمشاة و المركبات – وسائل نقل مخلفات... ) ، وهو ما سيجعل بيئة الإسكان في مشعر منى بيئة حضارية آمنة و مريحة تحقق مفهوم الإكرام لضيوف الرحمن.


بالطبع البناء الذي أقصده هو على سفوح الجبال المطلة على المشعر بعيداً عن منطقة الجمرات ، مع ترك الخيام في بطن الوادي للحفاظ على المظهر المميز للمشعر و تطوير مرافقها و تقليص الأعداد التي تسكنها بتخصيص مساحة أكبر لكل حاج.


إن تطلع سمو الأميرلإحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات و التسهيلات للحجاج يتحقق -صدقاً- عندما يتم البناء في منى وبغير ذلك ستظل مشكلات عديدة معلقة دون حلول ، بل و سوف تتفاقم ، و المؤسف أنها تشوّه نتائج الجهود الجبارة و الأموال الطائلة التي تبذلها الدولة و رجالها من أجل ليس فقط خدمة ضيوف الرحمن و إنما إكرامهم و إعزازهم على ما يحب ربنا ويرضى.

المدينة 1433/7/5هـ