البرنجي مطوف لا تاجر

قد تكون كلماتي المتناثرة على ورقي عاجزة عن وصف حال أو تعبير حدث فيراعي الذي يدونها بات حبره جامدا وغير قادر على التقطير فبين ماض غدا ويوم نحياه ومستقبل نجهله نعيش أيامنا بساعاتها الطوال في نظرنا القصار من عمرنا. 

وبالأمس تحديدا الذي لم يكن ببعيد عني بساعات توقفت أمام خبر مؤلم وصلني برسالة من أخي الدكتور رضا عجيمي يقول “ انتقل الى رحمة الله المطوف فوزي برنجي “ لحظتها عادة بي الذاكرة لأتذكر فيها أخينا الأكبر المطوف فوزي صالح برنجي ـ يرحمه الله ـ الذي عرفته قبل أكثر من ثلاثة عقود مضت يوم كان يتردد على منزل السيد سالم عطاس بدوار كدي بصحبة المطوف عمر بلخي ـ رحمهم الله ـ حيث كان مقر بعثة الحج التركية قبل انشاء مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا.

 وحينما أنشئت المؤسسة ووجد كغيره من المطوفين القدامى أن مهنة الآباء والأجداد بحاجة الى تنظيم وترتيب لتطويرها أصر على العمل فكان من أوائل المشاركين بها وممن وضعوا لبنات بنائها فعمل بها كمراقب حركة في قطاع اطلق عليه حينها قطاع النقل والترحيل وأذكر هنا موقفا يذكره معي المطوفان عبدالقادر ذكي وصديق أزبك وتحديدا يوم تصعيد الحجاج لعرفات فلم تكن حينها مجموعات الخدمات الميدانية قد أنشئت وكان العمل بالمؤسسة مركزيا بالكامل وكلف ـ رحمه الله ـ ومعه زميل دربه السيد عمر بلخي ـ رحمه الله ـ بمسؤولية متابعة وصول الحافلات لنقل الحجاج من الحفائر فوجدناهما الاثنين يجلسان على الرصيف دون النظر لنظافته فهدفهما هو عدم الابتعاد عن أداء وأجبهما ويومها كنا سويا نضحك ونقول التاجر والمعلم على الرصيف حيث كان للمطوف البرنجي ـ رحمه الله ـ مكتبة بحارة الباب يبيع فيها الادوات المدرسية والمكتبية والسيد عمر بلخي ـ رحمه الله ـ معلم. 

وكان البرنجي ـ رحمه الله ـ يصر في موسم الحج على اغلاق مكتبته من أجل الحجاج ومع مرور السنين ودخوله لعضوية مجلس الادارة حيث كانت مجالس الادارات تتم بالتعيين بالكامل ولم تكن هناك انتخابات تجرى وجد أنه أمام خيارين لا ثالث لهما اما رفض عضوية مجلس الادارة أو اغلاق المكتبة ليؤدي عمله بإتقان وأمانة لأن حصوله على مكافأة مالية تستدعي تواجده بشكل دائم بالمؤسسة ففضل اغلاق المكتبة ليكون أكثر قربا من الحجاج . 

ومع مضي السنين وإحداث تغيرات بمجلس الادارة وجد نفسه خارج عضوية المجلس فلم يبتعد عن المؤسسة بل بقي بها حيث عين مديرا لشعبة المطوفين ليبقى بها سنوات حتى غادرها بعد كبره. 

وفي شعبة المطوفين كان الكثير من المطوفين يطلقون عليه شيخ المطوفين لمعرفته التامة بكافة المطوفين والمطوفات وأبنائهم. 

أيام كانت جميلة بكل معانيها حتى حينما نختلف فان اختلافنا لا يعدو كونه اختلافاً في وجهات النظر او الاجراء اذ كان ـ رحمه الله ـ دقيقا في عمله وحريصاً على اخراجه بشكل جيد وسليم وكان هذا مايغضب البعض منه. 

وحينما ترك المؤسسة بعد كبره عرف الكثيرون أنهم قد خسروا انسانا اختلفوا معه في الاجراءات لكنهم اتفقوا على أنه كان الأفضل فلا يجامل كائنا من كان على حساب مصلحة العمل.

 رحم الله فوزي برنجي الانسان الذي زرع اسمه لدى الكثير من مطوفي تركيا.

الندوة 1433/5/25هـ