حلقة استبدال الأوقاف المفرغة وافتقار المستفيدين !!

أفرط واضعو شروط استبدال الأوقاف التي يتم نزعها للمصلحة العامة في الحيطة و الحذر بناء على افتراض سوء النية في عموم النظّار ؛ فوقعوا -في رأيي- في تفريط أكبر بحبس الأوقاف لمدد طويلة تصل أحيانا لعقود و بالتالي الحيدة عن تحقيق مبدأ تحقيق غبطة الوقف و الاضرار بشكل كبير بالمستفيدين منها.


و الآن في مكة المكرمة شرّفها الله العديد من الأوقاف المحبوسة التي نزعت ضمن عشرات آلاف العقارات لصالح توسعة المسجد الحرام و مشروع إعمار مكة المكرمة ؛ بسبب الشروط الواجب توفرها في الوقف البديل ، ومنها تطابق قيمته مع التعويض ، و أن لا يزيد عمر العقار عن خمس سنوات ، و يظل نظّار الأوقاف يدورون في بعض الحالات في دوائر مغلقة لا يستطيعون الفكاك منها و تظل الأوقاف محبوسة لمدد طويلة وذلك لعدة أسباب ولعلي أركز على سببين رئيسيين لابد من أخذهما في الاعتبار عند إيجاد حل لمشكلة حبس الأوقاف و تضرر المستفيدين وهما:
الأول: أن هناك شحاً في العقارات التي يمكن أن تكون بديلاً للأوقاف المنزوعة ، بسبب الهدميات المتتابعة للعقارات في مكة المكرمة التي بدأت منذ خمس سنوات تقريباً و لم تتوقف.


الثاني: دخول عنصر التقدير لأقيام العقارات البديلة ، فاختلاف تقدير ذوي الخبرة لدى كل من النظّار و هيئة النظر في المحاكم يؤدي إلى تطويل أمد عملية الاستبدال لسنوات عديدة ، خصوصاً و أن أسعار العقارات في مكة المكرمة في تغير مستمر بسبب استمرار نزع الملكيات.


وقد اطلعت على حالة استبدال مضى عليها الآن ما يقارب السنتين و هي تدور في حلقة مفرغة بسبب اختلاف التقدير للعقارات التي يتم تقديمها لتكون بدلاً للوقف المنزوع ما بين تقدير النظّار و تقدير هيئة النظر في المحكمة ، و هو ما أدى إلى تعطيل غلة الوقف عن ما يتجاوز الألف مستفيد و افتقار بعضهم إلى الدرجة التي دفعتهم إلى طلب الصدقات ، وهم من ذوي الهيئات الذين أوصى النبي الأكرم صلى الله عليه و سلم بإقالة عثراتهم لا أن تكون الأنظمة و الأحكام سبباً في تعثرهم.


و لي سابق خبرة في استبدال مسجد قام عمي الشيخ أحمد محمد جمال ببنائه وتسليمه للأوقاف و تم إزالته لصالح أحد مشاريع الطرق التي تنفذها وزارة النقل وذلك قبل وفاته يرحمه الله في عام 1413هـ ، و قد حاول استلام التعويض ليقوم ببناء البديل إلاّ أن البيروقراطية المبنية على سوء الظن في النظّار -كما أسلفت- لم تسمح بصرف التعويض حتى لذات الشخص الذي بادر من تلقاء نفسه لبناء المسجد طلباً لما عند الله من الأجر و الثواب ، وظل التعويض حبيس أدراج المحكمة حتى عام 1428هـ وهو العام الذي نجح فيه ابن عمي في إنهاء إجراءات بناء المسجد البديل مع المحكمة .. أي أن منفعة المسجد تعطلت أكثر من خمسة عشر عاماً.


و حسب ما اطلعت عليه من أبحاث علمية فإن لاستبدال الأوقاف وسيلتين: الأولى: بيع العين الموقوفة وتحصيل ثمنها ثم البحث عن عين أخرى. الثانية: معاوضة العين الموقوفة بعين أخرى تكون وقفاً مكانها.


وهنا السؤال و في ظل شح العقارات المناسبة و تباين التقديرات و استمرار ارتفاع أسعار العقارات في مكة المكرمة ؛ لماذا لا يتم الأخذ بمضمون الوسيلة الأولى وهي التي تنطبق على نزع ملكية الأوقاف للمصلحة العامة وذلك بطريقتين:
الأولى: شراء عقار مبنى يتطابق مع قيمة التعويض و يحقق غبطة الوقف ومصلحة المستفيدين.


الثانية: في حالة عدم توفر العقار المناسب يتم صرف التعويض على دفعات لناظر الوقف من أجل شراء أرض ثم البناء عليها ، مع تعيين مراقب حسابات و استشاري هندسي لمراقبة مقاول البناء.


و ذلك من أجل تقليص مدة تعطيل غلة الوقف و انقطاعها عن المســــتفيدين؟؟

المدينة 1433/5/22هـ