(تراثيات مكة) حاضر غائب

لم يعد قلمي قادرا على تدوين كلمات أو رسم أحرف فحبره السائل غدا صلبا أمام مشاهدات سرت العين وأبهجت القلب داخل مقر مهرجان “ تراثيات مكة 2 “ الذي لم يكن مجرد تواجد لماض أو اشعار لحاضر بقدر ما كان ملتقى لثقافة حضرت قبل سنوات وغدت اليوم من الذكرى.


فكان بالحق مهرجانا ثقافيا واجتماعيا أراد من خلاله منظموه أن يوجهوا رسالة قوية لشباب اليوم لعلها توقظهم مما يعيشونه من بعد عن الماضي.


وان كانت كلمات الاعجاب قد حلت فان من سطرها وأخرجها هو الفؤاد الذي سكن بين اضلعي ونادى أنظر الى مكة المكرمة أم القرى ـ وتذكر كيف كانت بمساحتها الصغيرة تضم داخل محيطها حارات قديمة شكلت بوحدة ابنائها أسرا محبة لبعضها محافظة على أصالتها.


ومباني الأمس التي كانت تقف بشموخها أصبحت اليوم مجرد صور التقطت وذكريات مضت لكنها وان مضت مع مضي الايام فلن تمضي من تاريخ مكة المكرمة وستجد من أبنائها من يسعى بين الفينة والأخرى للتذكير بها.


لكن المهرجان الذي جذب الانظار وأعاد الحنين للماضي غابت عنه الكثير من الذكريات التاريخية المكية بدءاً من الغرفة التجارية الصناعية التي كانت أول غرفة تجارية في المملكة تاسيسا وثانيها تسجيلا مرورا بنادي الوحدة الرياضي الذي كان من أوائل الاندية الرياضية السعودية وكان الخصم العنيد لنادي الاتحاد زمن مايعرف الآن بــ “ الدربي “.


وان كانت التجارة والرياضة قد غابتا عن المهرجان فان الثقافة والادب غابا بغياب “ قهوة عبدالحي “ التي شكلت ملتقى الأدباء وكانت مشعلا من مشاعل الأدب في المملكة.


غير أن غياب “ قهوة عبدالحي “ تواجد بشكل مختلف في “ متجر قبلة الدنيا “ الذي لم يكن متجرا للبيع والشراء بقدر ما كان موقعا للحديث عن مكة المكرمة.


وكما غابت بعض الذكريات عن مكة المكرمة وسط المهرجان غابت خدمات حجاج بيت الله الحرام فمكة المكرمة التي عرفت منذ أن أذن الخليل ابراهيم عليه السلام للناس بالحج توافدت قوافل الحجيج صوب بيت الله الحرام ولا زالت تتوافد وستبقى متوافدة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وكم كنت أتمنى أن نرى وسط الحضور داخل أروقة المهرجان وباجنحته تواجدا للمطوفين ومراكيزهم كما رأينا تواجد الزمازمة بدوارقهم.


أمنية أخرى كنت أتمنى رؤيتها متمثلة في تنظيم رحلات للمعتمرين للمهرجان من قبل مؤسسات وشركات خدمات المعتمرين ليطلعوا على مكة المكرمة كيف كانت بحاراتها القديمة ومبانيها الحجرية وان كان هناك وفد من معتمري جنوب شرق آسيا قد حضر فان حضورهم يشكل مفخرة.


وبين حضور مميز لتراث مكة المكرمة وأمنيات غابت فان كلمات شكر وثناء بحق جمعية مراكز الاحياء بمكة المكرمة وأمينها العام أخي الدكتور يحيى زمزمي لاتكفي فقد عملت الجمعية على ابراز تراث أم القرى برؤية جيدة وعمل عظيم.


وان كانت كلماتي قليلة في عددها فان محبتي لكل من ساهم في ابراز هذا العمل واظهاره تفوق المساحة بكثير فالمهرجان أكد على أن مركاز العمدة والمكتبة القديمة وماء زمزم المبخرة دوارقه والحلويات المكية والفوفل وغيرها لن تغيب عن ذاكرتنا وستبقى صورها واضحة أمامنا ساكنة بين أضلعنا ليتوارثها الأبناء من بعدنا جيلا بعد جيل.

الندوة 1433/5/19هـ