منطقة مكة المكرمة الأكثر احتياجا للمياه
عندما قسمت شركة إيطال كونسلت الايطالية في منتصف السبعينيات الميلادية المملكة إلى سبعة قطاعات مائية حسب الموقع الجغرافي لكل قطاع ودراسة إمكاناته المائية من حيث الوفرة والندرة، وكميات المياه المتاحة فيه، ومن خلال ذلك التقسيم أُعِطي القطاع الغربي من المملكة الرقم (6) وسميت بالمنطقة السادسة، وقسمت هذه المنطقة الممتدة من جازان جنوبا حتى حقل شمالا إلى جزءين: الجزء الجنوبي يمتد من جازان جنوبا حتى جنوب محافظة جدة عند دائرة عرض 20 درجة شمالا، والجزء الشمالي يمتد من جنوب جدة من الشعيبة جنوبا حتى محافظة حقل في منطقة تبوك شمالا، واعتبرت الشركة الاستشارية هذا النطاق الواقع على صخور الدرع العربي فقيراً مائياً، حيث أن مياهه الجوفية كلها سطحية ومحدودة للغاية، وأن أمطاره قليلة ولا تتجاوز في معظم حالاتها الـ 100 ملم. سنويا ( ماعدا مرتفعات منطقة جازان ) التي تستقبل كميات لا بأس بها من مياه الأمطار في الصيف.
وبذلك اعتبرت منطقة مكة المكرمة الأكثر سكانا على مستوى المملكة، والأقل في الموارد المائية التقليدية، لأن بها ثلاث مدن مليونية رئيسة هي: جدة ، ومكة المكرمة، والطائف، بالإضافة إلى سكان محافظاتها الأخرى، وتضم أكثر من ربع سكان المملكة، وهي من أكثر المناطق ازدحاما بالسكان، ولا يوجد مدن مليونية على طول سواحل البحر الأحمر سوى في هذه المنطقة؛ فمحافظة جدة تجاوزت الـ (4) ملايين نسمة، ومكة المكرمة تجاوزت المليون نسمة وفي المواسم تصل إلى ثلاث أو أربع ملايين نسمة، وهي - شرفها الله - مزدحمة بالمعتمرين والحجاج والزائرين طوال العام، أما الطائف فقد تخطت المليون نسمة، خاصة مع زيادات الهجرة الداخلية، وانخفاض منسوب مياهها الجوفية مع زيادة ضربات الجفاف التي أصابتها خلال السنوات الأخيرة.
إذن منطقة مكة المكرمة تحتاج إلى دراسات هيدرولوجية متعمقة، وحلول ملائمة للكثافات السكنية التي تعمر هذه المدن، كما تحتاج إلى زيادات مضطردة في كميات المياه الواصلة إليها، لاسيما وإننا نواجه مشكلة حقيقية وهي توالي موجات الجفاف في سنوات متعاقبة، والتي بدأت تضرب معظم دول العالم، مع ما يصاحبها من تغيرات مناخية معقدة أثرت بشكل مباشر وغير مباشر في كميات المياه العذبة على مستوى العالم، حتى أصبحت الدول ذات المجاري المائية دائمة الجريان في قلق دائم خوفا من انخفاض منسوب المياه في الأنهار.
إذن كيف نواجه مشكلة عجز المياه ونحن مقدمون على أشهر الصيف الملتهبة ومن ضمنها شهر رمضان المبارك الذي يتضاعف فيه الاستهلاك للمياه؟ كيف نسيطر على شدة الطلب في ظل الأعداد المتزايدة من السكان، والحجاج، والمعتمرين والسائحين، وقاصدي المسجد الحرام؟ كيف نطالب بالتنمية المستدامة الشاملة للمياه في ظل غياب سياسة الترشيد، وتوعية المواطنين بالاقتصاد في الماء؟ لماذا لا يكون هناك نشاطات توعية مجتمعية شاملة وهادفة تنادي بالحفاظ على هذه الثروة الغالية وعدم الإسراف فيها؟
إنجازات شركة المياه الوطنية في توفير (67 مليون م3) من المياه في جدة والرياض عام 2011م، وذلك بخفض الهدر الناتج عن الفاقد من الشبكة، خطوة جيدة على الطريق تشكر عليها الشركة، ولكن مطالب الساكنين أن يوفر الماء للجميع، وأن يصل إلى جميع المخططات، والأحياء السكنية عبر الشبكة، حتى ولو كان مدفوع القيمة، فلا ضير في ذلك بشرط أن يصل بصفة دائمة دون انقطاع، وأن تعمل شرائح مدفوعة (مثل شرائح الكهرباء) بشرط أن يعفى المستفيدون من أول (30 مترا مكعبا) من المياه شهريا، بحيث تكون مجانا ( وهذه الكمية توازي حوالي 1210 لترات) بواقع (متر مكعب يوميا)، وهي كافية مع الترشيد لسد احتياج أسرة واحدة مكونة من خمسة أفراد، وما زاد عن هذه الكمية يكون مدفوع القيمة. كما نأمل من شركة المياه إيصال الخدمة لعموم المواطنين عبر الشبكة، والقضاء على وسائل نقل المياه الحالية (الصهاريج) التي تجوب شوارعنا ليل نهار. مشكلتنا مع المياه تتمثل في غياب المعلومة الصحيحة من مصادرها الموثوقة، مما يؤدي إلى سوء في التخطيط وإلى نتائج عشوائية.
المدينة 1433/5/8هـ