مكة المكرمة والمدينة المنورةالمكانة والأثر والطابع
لا أخفيكم سرًا وجهرًا أنني حينما أجد نفسي في مكة المكرمة والمدينة المنورة أعاني من علامة استفهام كبرى ويعاني أهل مكة والمدينة منها أيضًا، أتساءل ويتساءلون عن الطفح العمراني والكتل الخرسانية ذات الأدوار المتعددة والطوابق الشاهقة وما آل اليه شكل كل المناطق التي بنيت حول الحرمين الشريفين وخروجها من طابع تراثي أنيس ثري بكل المعايير الهندسية والمعمارية والجمالية والفنية مألوفة مقبولة نحمل لها إثرة في العين والنفس، والسؤال والمعاناة يمتدان كذلك عن الهدد الذي لازالت معاوله ومقصاته وأزاميله وكل ما يخطر على بال من معدات تعمل بكل قواها للخلاص وبسرعة فائقة من البنايات والعمائر والعزل والأزقة والدواعيس والممرات والطرقات والطلعات والنزلات (والبلدان) البساتين التي الفها وتربى ونشأ وترعرع ويفع وترجل فيها أبناء مكة المكرمة والمدينة المنورة. وهؤلاء تعلّم على أيديهم وأيدي آبائهم وأجدادهم كثير ممن وفدوا إلى هاتين البقعتين الطاهرتين الشريفتين منذ مئات السنين وأخذوا عنهم علوم الدين وقراءة القرآن وسبل وطرق التجارة واتصفوا بالخلق الحميد والأمانة والشهامة والنخوة وبالعادات والتقاليد الجميلة والحب والغيرة والتضحية وصفات ومناقب عديدة. إن ما حول الحرمين الشريفين إرث عظيم من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من قبل وبعد حيث كانت رقعة المسجد الحرام والمسجد النبوي تزداد بعد كل توسعة وكانت أكبر التوسعات في العهد السعودي التي جعلت مساحة وطاقة استيعاب الحرمين الشريفين للمصلين والعاكفين والوافدين والزائرين والمعتمرين والحاجين عالية جدًا بما يتناسب والأعداد المتزايدة القادمة إليها على مدار العام، وبنظرة على منازل وبيوت ومباني وعزل مكة المكرمة والمدينة المنورة وما تحتويه في دواخلها وخوارجها بأبوابها ونوافذها وشبابيكها وطَيرماتها ومقاعدها ومخلوَاناتها ودِقيسياتها ومجالسها وصُفاتها وسلملكاتها ودرجانها (ومركباتها -مطابخها) وخارجاتها (بلكونات كبيرة) وجِلاياتها جمع جلا بكسر الجيم ورواشِينها وبيتلماتها أكرمكم الله يعني طهاراتها أو حماماتها او تواليتاتها وهكذا تتغير وتتعدد الأسماء وبلغات مختلفة. إن ما ذكرته عن البيوت ومحتوياتها ليس من باب الاستعراض ولكن لتعريف النشء وصغار السن ببيوت الآباء والأجداد ومن كان قبلهم وهنا أحب أن أقف برهة لأناشد، وأتمنى على صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة الأمر بالتأكيد لعمارة ما تبقى من المباني في منطقة ما حول الحرمين بالشكل التراثي القديم خاصة واجهاتها والتي عمل البعض على تطعيمها بنوافذ وشبابيك ذات أشكال قريبة من الرواشين القديمة ولكن أولًا وأخيرًا رواشين صيني وتايواني بها شيء لا يتجاوز 15% من جماليات الرواشين المتعارف عليها. وللعلم لاشيء غير الرواشين فكل القائم هو صبات في صبات جاهزة أشكال صامتة ليس بها حراك كذلك يمكن العودة إلى كثير من الأفلام والوثائق والصور التي سوف تبيّن وتظهر الملامح والمحتويات المرصودة لما كانت عليه المباني القديمة وطرق وكيفية بنائها بشكل واضح. وتبيّن أيضًا الشوارع والإنارة القديمة بمراحلها المتعددة من مشاعل ومسارج وقناديل وفوانيس وأتاريك، وأنواع الحجارة منقبية وصوان والطوب والآجور والبلك التي تتناسب مع أجواء مكة والمدينة في بردها وحرها -فهل بعد أن قطعت منطقتا الحرمين الشريفين أشواطًا لم يراع فيها أبسط الأمور التي تبقي عليهما كمنطقتي تراث وأصالة- يستمر الأمر كما هو عليه إننا نطمح فيما تبقى من مشاريع أن تتجلى وتتجلى بذات الطابع القديم الجميل الذي نراهن أنه كان هنا وسيبقى هنا وهذا غير مستحيل والإبقاء عليه أي هذا الارث والطابع والتراث يجب أن يكون بالملي وبالسنتيم ولا يوجد شيء مستحيل خوفًا من ضياع واندثار وغياب ثم اختفاء ما كانت عليه مكة والمدينة حتى الشوارع الفسيحة والضيقة من المفترض أن تحمل نفس الأسماء القديمة بحاراتها ما قبل 50 عامًا على سبيل المثال بعض منها كسوق الصغير والشبيكة والقشاشية والمدعى والغزة والنقا والشامية وحارة الباب وريع الرسام وباب دريبة والراقوبة والفلق وبير بليلة والسد وجياد وبرحة الطفران وسويقة والجودرية وجبل المدافع وجبل هندي وجبل السبع بنات وجبل الشراشف وطلعة اللاسلكي وقهوة القبو والإسعاف ومسجد بلال هذا في مكة المكرمة، وهذه أيضًا بعض من شوارع المدينة كالسيح والعينية والمحمودية وزقاق الزرندي وحارة الأغاوات الشونة الأحمدية درب الجنائز الروضة العوالي البربورية سقيفة الرصاص التاجوري ضروان زقاق الطوال مقعد بني حسين حوش عميره شارع أبا ذر العنابية زقاق الكبريت السحيمي بضاعة باب الكومة باب العنبرية باب قباء حوش كرباش وغيرها كثير.
إن هذه أمنيات أرجو ألا تصطدم بأرض واقع حاصل اختلت واختلفت معاييره باتجاه كلي نحو التحديث البنياني، ليت يكون من المستطاع الإبقاء على ثوب مكة والمدينة مثل ثوب الكعبة وكسوتها ثوب جديد سنويا لكن القيمة والأثر والمحتوى والجماليات تبقى جميعها بنفس الطابع الذي ألفته ورأته وانفتحت عليه أعيننا واعين من قبلنا منذ سنين وهو في أوجه وروعته وكماله والقه وذكراه, واعتقد أن لدينا الكثير من المهندسين المعماريين الأكفاء والجديرين البارعين الذين يملكون القدرة على العمل بأطر وفن وخطوط راقية يكتنف هذا العمل الحب الكبير الذي لا يوصف لهاتين المدينتين والغيرة الجمة لابقائهما متميزتين في كل شيء, بحيث تناط هذه الأمور لمجموعة منتقاة للتصميم والإشراف والتنفيذ والمتابعة لبناء ما بقي من المشاريع التي هي في حمى المسجدين الشريفين للمتابعة وللمحافظة والتمسك والإبقاء ثم الإبقاء ثم الإبقاء على ذاك القديم المبهر وعدم التفريط فيه لأنه لا يمكن تعويض ولا استبدال ولا تعديل ذلك بشيء بعد تنفيذه لأنه سيصبح ضربا من المستحيل. يا صاحبي السمو إن مكة المكرمة والمدينة المنورة أمانة في أعناقنا جميعًا وأنتم رؤيتكم الثاقبة وعطائكم وتفانيكم ووقوفكم ومتابعتكم التي تعودناها هي الأمل الكبير.
ملحق الأربعاء بجريدة المدينة - 7 /4/ 1433هـ .