قـرَّاء مكة المكرمة.. الفن والدين والتاريخ

 

كل دولة من الدول، سواء الدول الإسلامية أو غيرها ممن يوجد فيها مسلمون، لها قراء للقرآن الكريم تتميز قراءاتهم بطابع تلك الدولة. في المغرب العربي، على سبيل المثال، يتميز القارئ بنغمة مغربية مشهورة ترتاح لها الأذن المغربية، وفي السودان، يقرأ القارئ بنغمة سودانية مميزة ترتاح لها الأذن السودانية.. وهكذا.

في المجتمع المحلي، يوجد تاريخ متميز للقراء، من أمثال: الشيخ زكي داغستاني، والشيخ عباس مقادمي، والشيخ سراج قاروت، والشيخ صلاح باحيدرة.. وغيرهم رحمهم الله جميعا.. ممن انطلقت إذاعة القرآن الكريم في بداياتها بأصواتهم. والمقصود بالقراء ليس قراءة الأئمة في المساجد، ولكن القراءات التسجيلية في استوديوهات الإذاعة. فقراءة الإمام في المسجد تكون متقطعة وقد يداخلها بكاء وخشوع.. أي أن لها مواصفات وسمات تختلف عن قراءة القارئ المتخصص.

هذه التسجيلات الخاصة بالقراء السعوديين تعتبر نادرة، وغير متوفرة في محلات التسجيلات الإسلامية، وقد لا تكون متوفرة سوى في أرشيف الإذاعة.
المطلوب هو أن يتم جمع هذه الأعمال النادرة والمتميزة لهؤلاء القراء الذين يحملون طابع ونغمة المجتمع المحلي في نسخة واضحة ومنقحة، أو كما تسمى مهنيا (نظيفة)، وتسلم للجمعيات المتخصصة، أي جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في المملكة، لهدفين: الأول، هو أن تعتمد تلك الجمعيات على هذه القراءات ــ إن رغبت ــ في تحفيظ طلابها وطالباتها وتدريبهم عليها لتتميز قراءتنا المحلية عن غيرها من الدول الأخرى.

فمن الملاحظ أن بعض القراء الشباب يقلدون قراء من دول مجاورة، وبعض أولئك القراء ــ أي من الدول المجاورة ــ يبالغون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)، ويخرجون به إلى حد التطريب المذموم المتكلف بإيقاعات وحركات تأتي على حساب المعنى والنص المقدس في بعض الأحيان. فالثابت عن السلف الصالح أنهم كانوا يقرؤون القرآن الكريم بشجى تارة وبطرب تارة وبشوق تارة، وهذا أمر لم ينه عنه الشارع بل أرشد إليه وندب إليه وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، ولكنه لم يصل إلى مستوى التكلف المذموم.

الهدف الثاني: هو أن تقوم جمعيات القرآن الكريم بالتنسيق مع المؤسسات الخاصة لإصدار هذه القراءات على أقراص مدمجة تباع في الأسواق يعود ريعها لصالح تلك الجمعيات. ففي هذا خير للجمعيات من حيث إحياء القراءة بالطابع المحلي من ناحية، وحفظ تاريخ قراء هذا البلد المبارك من ناحية أخرى، وريع إضافي يعود عليها بالخير لزيادة نشاطها في التحفيظ بإذن الله..

رجاء نرفعه إلى معالي وزير الإعلام الأديب المثقف عبدالعزيز خوجة، أن يتم تبني مشروع جمع القراءات القديمة للقراء السعوديين وتنقيحها، ثم تسليمها لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم في المملكة لتستفيد منها في تحفيظ طلابها وطالباتها القرآن الكريم بأسلوب وطابع محلي مميز، وأيضا تستفيد منها كدخل إضافي، خصوصا أن مثل هذه الخطوة ستجد إقبالا حتى من المسلمين الزوار المعتمرين والحجاج الذين يرغبون في سماع القرآن الكريم بالنغمة المحلية الجميلة.

عكاظ 1433/3/27هـ