من أبكيه اليوم من أنبل الرجال
من الرجال من إذا عاشرته ملك عليك فؤادك، فكنت له محباً تعتز بصداقته وتطمئن لمجالسته، وتبقى صلتك به اختيارك الافضل، الذي ترجو الا تنقطع، ولا ترجو أن تجد من الاصدقاء من هو خير منه، لما تميز به من نبل مواقف وصدق كلمة، ولوفاء نادر تفتقده في الناس في زمانك المعاش الاقرب، خاصة في ساحة تزدحم بمن هم خليقون أن يكونوا في هذا المجتمع رموزاً يقتدى بهم، وهم في زمانك نادرون، ويكثر فيه أدعياء يزعمون انهم المثقفون والأدباء والكتاب الصحفيون، وهم خلو من أخلاق النبل، التي تجعلك تأنس بهم أو تصادقهم، بل لعل جلهم خلو من كل ما يدعون،
لذا فمثلى يبكي هذا الفقيد الذي فجعنا يوم الثلاثاء 8/3/1433هـ بخبر وفاته، استاذنا المربي والأديب الاستاذ حسين عاتق الغريبي، وهو أحد رجال التربية والتعليم البارزين بأم القرى، رعى في رحلته العملية من اجيالنا أبناء لا يزالون يذكرون له حسن التربية، واهتمامه بتزويدهم بكل نافع من العلم، فقد كان معلماً ناجحاً ومدير مدرسة له قصب السبق في حسن الادارة، وقد التحق بالعمل الصحفي فكان محرراً فذاً، اشرف على ملحق جريدة الندوة الأدبي عقداً من الزمان، حرك به الراكد في هذه الصحيفة آنذاك،
وكان كاتباً صحفياً مجيداً، يتطلع إلى مقالاته قراء جادون، وألف فكان ممن قدموا لساحتنا الثقافية اعمالاً، صداها يتردد بين مثقفينا الجادين، وزبدتها كتابه المعنون «الغربال: قراءة في حياة وآثار الاديب السعودي الراحل محمد سعيد عبدالمقصود خوجه» في جزئيه الأول:الذي صدر في عام 1420هـ والذي كان فيه التعريف بالاديب الرائع، الذي استخدم كلمة الغربال توقيعاً على مقالاته الجريئة، في زمان كانت الجرأة الادبية ذات خطورة، لا يتحملها إلا افذاذ الرجال، ثم الجزء الثاني والذي جمع فيه مقالات الاديب الراحل وما كتب عنه، وبينهما حقق المجموعة الكاملة لآثار أديبنا المميز الراحل، واضاف رحمه الله من روحه النقية وهجأ على سيرة رجل سبق زمانه، فتحولت الى ضوء عرفت مجتمعة الطريق الى التطوير والتنوير، رحمه الله أديبنا الرائع محمد سعيد عبدالمقصود خوجه، ورحم الله أديبنا المؤرخ أبا هلال حسين عاتق الغريبي، وله كتاب عن ذكرياته مع بعض رجال التعليم المعاصرين، وهو أحدهم، وأهتم بتاريخ التعليم في أم القرى ورواده، عرفته مبكراً فرأيت رجلاً مكياً محباً لأم القرى، يتمنى أن يقضي العمر كله على أرضها وأن يدفن فيها في مقابر المعلاة، وقد حقق الله له أمنيته، وكان لي خير الأصدقاء وأنبل الرجال الذين عرفتهم، لم أسمع منه يوماً كلمة تسيء إلى أحد من أخوانه، خير من تدخل معه في حوار، يطرح رأيه في هدوء،
ويدعمه بالحجج والبراهين، ويحرص على أن تدلي برأيك وإن خالف رأيه، ويفرح إذا وفقك الله في ما تطرح، لا يعرف حسداً ولا ضغينة، تميز خلقه بتواضع في غير ضعف، واعتداد بالنفس دون كبر، مثال في النبل عند تعامله مع الناس، ظل عمره كله وفياً للثقافة الراقية الواعية، هو من رجال أمدوا الوطن بكل ما ينهض به، علماً وأدباً وثقافة، وأمدوا الصحافة بالعاملين فيها محررين ورؤساء تحرير وكتاب، وهم من رعوا الأنشطة الثقافية في عرض البلاد وطولها، عملوا لذلك كله مخلصين، لا يرجون ثمنا لما قدموا، وقلّ أن كرّم منهم أحد، رغم تعدد ألوان عطاءاتهم، أولئك هم المعلمون والمربون، وعذراً أبا هلال فقد منعني ألم ظهري ألا أزورك في الأشهر الأخيرة من حياتك، كما منعتني من وداعك في المعلاة، فحركتي اليوم محدودة، وإني لأشركك في دعائي بعد كل فرض أصليه، غفر الله لك وأسكنك فسيح جنانه إنه السميع المجيب الدعوات.
المدينة 1433/3/12هـ