سمو ولي العهد: لا نجد خيراً منكم يتولى هذه المسئولية



حظي المطوفون و بقية أرباب الطوائف المعنية بخدمة حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة و المدينة المنورة و جدة (الزمازمة و الأدلاء و الوكلاء) بعناية و تقدير ولاة الأمر منذ بلاغ مكة الشهير ، الذي أطلقه الملك عبد العزيز رحمه الله عند دخوله المشرفة مكة ، و مروراً بأبنائه الملوك سعود و فيصل و خالد و فهد رحمهم الله ، ثم عبد الله حفظه الله الذي أصدر أمره في عام 1428هـ بإنهاء الصفة التجريبية عن مؤسسات أرباب الطوائف لإعطائها دفعة جديدة إلى الأمام لتحقيق المزيد من التقدم و التطوير لما تقدمه من خدمات لضيوف الرحمن.

و مؤخراً -قبيل الحج الماضي- في اللقاء السنوي لسمو ولي العهد ورئيس لجنة الحج العليا الأمير نايف بن عبد العزيز بمعالي وزير الحج ورؤساء مؤسسات أرباب الطوائف خاطبهم بقوله:»معلوم المهمة الكبيرة الملقاة على عواتقكم ، ابتداءً من وزير الحج مروراً بالمسئولين في وزارة الحج وصولاً إلى رؤساء مؤسسات الطوافة ، و هذه مسئولية شرّف الله بها هذه البلاد ملكاً و حكومة و شعباً ، و لا نجد خيراً منكم يتولى هذه المسئولية ، علينا جميعاً أن نقف معكم في كل شأن لهذا الواجب حتى يؤدي حجاج بيت الله الحرام حجهم بكل يُسر و سهولة و يعودوا إلى أوطانهم غانمين إن شاء الله» انتهى كلام سموه.

و بالتأكيد فقد سرّني و إخواني أرباب الطوائف أن نسمع مثل هذه الشهادة من مثل مقام سمو ولي العهد ، لما يبذله المطوفون من جهود في خدمة ضيوف الرحمن خصوصاً أيام الحج في منى و عرفات و المزدلفة ، و لا يشعر بحجمها و صعوباتها إلاّ من يكابدها ، و في الغالب كانوا لا يحظون بما يحظى به غيرهم من العاملين في بقية القطاعات العسكرية و المدنية من برقيات الشكر و التقدير التي يتم توجيهها عقب كل موسم من مواسم الحج.

و مؤسسات أرباب الطوائف تقوم بأعمال هامة و جليلة في خدمة ضيوف الرحمن ، و في رأيي أنها تستحق أن تحظى بشكر و تقدير خاص و بشكل منفصل عن وزارة الحج التي تُشرف عليها ، و هذا مما يُسهم في تحفيزها و القائمين عليها على تقديم المزيد من التطوير في مستوى و نوعية ما يُقدم من خدمات لضيوف الرحمن.

الطوافة مهنة عريقة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ ، فأقدم نص تاريخي –حتى الآن- أشار إليها هو لابن رشيد (أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري) المتوفى سنة 721هـ ، حيث ذكر في كتابه (ملء العيْبة بما جُمع بطول الغيْبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة و طيْبة) ، في سياق الحديث عن رحلته إلى الحرمين لأداء مناسك الحج في سنة 683هـ «أن الكثير من أهل مكة المشرفة وأطفالها دأبوا على استقبال الحجاج وتعليمهم المناسك ، إذ درّبوا صبيانهم على تلقين الحجاج الأدعية والأذكار».

و قد مرت بمراحل تاريخية و تنظيمية عديدة ، فمن نظام التقارير إلى نظام السؤال إلى التوزيع ، و من أسلوب العمل الفردي إلى العمل الجماعي ، و المتأمل و المطلع على مسار تطور هذه المهنة عبر التاريخ يعلم أنها تحتفظ بديناميكية وقدرة على التطور بشكل مستمر ، و يجد أن المراحل التي مرت بها ما هي إلاّ عمليات تطوير من جهة و مواجهة للسلبيات التي تبرز أثناء تطبيق التنظيمات الجديدة. و مؤسسات الطوافة التي صدرت التوجيهات بتثبيتها و إلغاء صفة التجريبية عنها بعد أن أثبتت جدارتها تُمثل المرحلة الحالية ، و هي على موعد بصدور التنظيم الجديد لتسجيل قفزات جديدة في مجال خدمة ضيوف الرحمن ، خصوصاً في ظل هذه الأجواء المفعمة بالإيجابية التي أشاعتها كلمات سمو ولي العهد وفقه الله لكل ما يحبه الله و يرضاه التي نقلتها في بداية هذا المقال و التي أكد فيها على أهمية المهمة التي ينهض بها المطوفون وبقية أرباب الطوائف ، و على أنهم خير من يتولى هذه المسئولية ، و على الوقوف إلى جانبهم من أجل تمكين الحجاج من أداء مناسكهم بيسر و سهولة.

و ما يتمناه المرء هو أن تشيع هذه النظرة الإيجابية المنصفة لفئة تبذل الكثير من جهدها -ومالها أيضاً- في سبيل خدمة ضيوف الرحمن ، وذلك من أجل المزيد من الارتقاء و التطوير للخدمات التي تُقدم لحجاج بيت الله الحرام.

المدينة 1433/1/15هـ