نيلُ المُنى في مِنَى
مِنَى بكسر الميم وفتح النون وآخره ألف مقصورة، تؤنث وتذكر، تقول في تأنيثها هذه منى، ومن التأنيث قول الشاعر العرجي:
ليومنا بمنى إذ نحن منزلها
أستر من يومنا بالعرج أو مَلَلِ
وقال أهل اللغة: الأغلب عليه تذكيره
ومنى أحد المشاعر المقدسة وأقربها إلى مكة المكرمة، يقيم فيه حجاج البيت الحرام يوم التروية ثم يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده ما لم يتعجلوا في اليوم الثالث منها، ومن أشهر معالمه الجمرات الثلاث التي يرجمها الحجاج ومسجد الخيف، وقيل سمي منى لما يُمنى فيه من الدماء أي يُراق، وقيل لأن آدم تمنى فيه الجنة، وكل ذلك اجتهاد فأسماء الأعلام لا تعلل في الأكثر.
وفي منى تطيب أيام الحجاج بالدعاء والاستغفار، ويفرحون بما منَّ الله به عليهم من إكمال شعائر حجهم، ومن أجمل ما قيل في وصف إفاضتهم في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر من ذي الحجة قول كثيِّر عزة:
ولما قضينا من مِنى كل حاجة
ومسّح بالأركان من هو ماسح
وشُدت على حدب المهارى رحالنا
ولم يعلم الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وسالتْ بأعناق المطيِّ الأباطح
وكان -ومازال- مشهد الحجاج في منى مثيراً للشوق للمشاعر المقدسة، ومن ذلك ما قاله ابن معصوم المدني (ت1120هـ) حين كان مغتربا في الهند، فشاقه منادي الحج وقد نادى بالتوجه للمشاعر المقدسة، فقال قصيدة من أجمل ما قيل في وصف الحاج وهو يطوي المسافات إلى المشاعر المقدسة مانعاً نفسه من متع الحياة وممتعا نفسه بمتعة الروح، ومما فيها من وصف منى:
ياحادي الظعن إن جزت المواقيتا
فحيِّ من بمنى والخيف حُييتا
والثُم ثرى ذلك الوادي وحطّ به
عن الرحال تنل يا صاحِ ما شيتا
عهدي به وثراه فائح عبق
كالمسك فتته الدادي تفتيتا
والدّر مازال من حصبائه خجلا
كأن حصباءه كانت يواقيتا
يؤمه الوفد من عرب ومن عجم
ويسبرون له البيد السباريتا
أجاب دعوة داعٍ لا مردّ له
قضى على الناس حج البيت توقيتا
يرجو النجاة بيوم قد أهاب به
في موقف يدع المنطيق سِكّيتا
وراح مُلتمسا نيل المنى بمِنى
ولم يخف غير حلّ الخيف تعنيتا
وبات للجمرات الرُّقش ملتقطا
كأنه لاقطٌ دراً ويا قوتا
وحين أصبح يوم النحر قام ضحى
يوفي مناسكه رميا وتسبيتا
وملأته الليالي الخيف بهجتها
فحج للدين والدنيا مواقيتا
ثم اغتدى قاضيا من حجَّه تفثا
يرجو لتزكية الأعمال تزكيتا
وودع البيت يرجو العود ثانية
وليته عنه طول الدهر ماليتا
وهذا شرح لبعض ألفاظ القصيدة في الأبيات السابقة: الدادي: العطار، السباريت: القفار، التعنيت: المشقة، التسبيت: ذبح الهدي، التفث: ترك الطيب والحلق وغيره، التزكيت: الملء والإكمال.
أفاض الله الرحمات على أهل منى في منى وعندما يبارحون منى، وأعادهم إلى ديارهم بمغفرة وسلامة.
المدينة 1432/12/11هـ