ماء زمزم بعشرة رِنْجِتْ
عدت مؤخراً من ماليزيا، بعد أن شاركت في المؤتمر الثالث لقسم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية العالمية بكوالالمبور، وبعد أن انتدبتني جامعة الملك عبدالعزيز لهذا الحضور وهذه المشاركة، وبعد أن اختارتني الجامعة الماليزية بفضل الله وتوفيقه لأكون المتحدث الرئيس للمؤتمر، وجَدْوَلَت محاضرتي بعد حفل الافتتاح مباشرة بحضور مسؤولين وعلماء ماليزيين وعالميين وقد كان لجامعة الملك عبدالعزيز نصيب الأسد من المشاركات السعودية والعربية على الإطلاق، فقد شارك في المؤتمر بأوراق علمية مهمة للغاية الزملاء الدكتور سعيد أحمد الأفندي مدير مركز الأمير نايف بن عبدالعزيز للبحوث الاجتماعية والإنسانية والمشرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية، والدكتور عبدالرحمن السلمي والدكتور ياسر بابطين والدكتور مطير المالكي والدكتور محمد عبيد. ويذكر أن عدد المشاركين والمشاركات في المؤتمر قد بلغ مائة وثلاثين، وبلغت أبحاث المؤتمر خمسة مجلدات.. وكانت زيارة ماليزيا فرصة سانحة للوقوف على الكثير من معالمها الحضارية المذهلة المصبغة بصبغة الإسلام في مجملها إضافة إلى تفوقها العلمي والحضاري وكانت المرة الأولى التي أزور فيها المدينة البديعة (بوتراجايا) وهي مدينة حديثة أُسِّسَت لتكون العاصمة الإدارية لماليزيا، وبالتجول فيها تبين لي أنها لا تقل إن لم تتفوق على أي مدينة غربية عصرية قبل أن تفوق بالطبع كل العواصم المشابهة في بقية الدول العربية والإسلامية.
وفي بوتراجايا مسجدان كبيران الأول يسمى (مسجد بوترا) وهو الأضخم والأكبر والآخر يسمى مسجد الزجاج كما قيل لي لأنه ممرد من قوارير، وقد وقفت على المسجد الأول وصليت فيه المغرب والعشاء، وعند خروجي استوقفني أحد سدنة المسجد المسنين ليسألني بالإنجليزية: من أين أنتم؟ قلت له: نحن من المملكة العربية السعودية. قال: ومن أين في المملكة؟ قلت: من مكة المكرمة، قال: إني إذاً أحملكم أمانة أرجو أن توفّوها. قلت: لك ذلك. قال: أرأيت هذه المنصة الصغيرة في مدخل ساحة المسجد التي كُتب عليها حرف (I) بالإنجليزية اختصاراً لـ (Information)، سترى لوحة علقت عليها كُتب عليها عبارة: «ماء زمزم بعشرة رِنْجِتْ» أرجو أن تشتري قارورة من موظف الاستعلامات وأن تحملها معك إلى مكة، والأمانة التي أحملك إياها أن يتحقق المسؤولون في بلاد الحرمين من أنه ماء زمزم حقاً، لأنني أخشى أن تكون تلك خدعة للمصلين من الماليزيين وسواهم. وأخذ يشكو لي من مضايقات يتعرض لها من بعض الزائرين الإيرانيين الذين يصرّون على الصلاة على الأحجار داخل المسجد ثم يمنعهم فيدسّون الأحجار في صدورهم... الخ.
وقلت له إن الموضوع لا يعنيني، ولكن وعدته بأن اسأل عن موضوع زمزم وبالفعل وقفت على منصة الاستعلامات ووجدت اللوحة التي تشير إلى بيع قوارير مياه زمزم بعشرة رِنْجِتْ، واشتريت قارورتين وسألت موظف الاستعلامات: هل هذا زمزم؟ فأجاب: نعم: زمزم من مكة المكرمة، وقد كُتب عليه بالملاوية (Air, Zamzam)، وأحضرت معي القارورتين ومازلت أحتفظ بهما، والشركة المنتجة: Slaz Enterprise وأذكر أنه قبل سنوات قليلة، طلبت مني إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية الكبرى في تركيا، وهي جمعية: (فنار البحر) أن اسأل لهم إن كان بالإمكان توفير كميات من عبوات زمزم الصغيرة لهم ليوزعوها على المسلمين الفقراء في شهر رمضان، وسألت المسؤولين وقتها في مكتب الزمازمة الموحد وأخبروني بأن تصدير زمزم ممنوع، ونقلت للجمعية أنني لم أستطع تحقيق رغبتهم، وأذكر أنهم طلبوا كميات من تمر المدينة المنورة للغرض نفسه ولم أجد لهم الكميات التي طلبوها، وكتبت مقالة وقتها في هذه الصحيفة المباركة عنوانها: «أين تمر المدينة؟» إذ أصبح تمر المدينة شحيحاً.
ومن المعلوم أن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم، يقنن بيع العبوات للمواطنين والمقيمين، بحيث يحصل المواطن على عشرة عبوات كل ثلاثة أيام، ويحصل المقيم على خمسة منها. فيبقى السؤال المرتبط بهذه الأمانة التي حملني إياها هذا السادن المخلص عن هذه القوارير التي تحمل اسم زمزم، ولا يُعرف مصدرها. فإن كانت من زمزم حقاً، فكيف تُصدّر بهذه الكميات التجارية الهائلة إلى ماليزيا بحيث تكفي لزائري هذا المسجد الكبير جداً ليل نهار؟.
وإن لم تكن من زمزم، فهي طامة كبرى، وكارثة حقيقية، إذ لا يعلم أحد عن الماء الذي بداخلها الذي يمكن أن يكون ملوثاً أو مضراً. ولا ننسى بالطبع ما جرى قبل فترة من لغط حول بعض عبوات ماء زمزم في أوروبا، وتبين من بعد أن الماء الملوث لم يكن من ماء زمزم.
وأتمنى أن نحقق رغبة هذا المسلم الصادق الغيور، بأن تحقق الجهات المختصة في موضوع هذه العبوات التي تباع في ساحة مسجد بوتراجايا في منصة الاستعلامات على أنها من ماء زمزم، والعبوتان موجودتان لدي كما أسلفت في خدمة من أراد التحقق منها من أصحاب الاختصاص.
جريدة المدينة - 21 / 11 / 1432هـ