ومات الرجل الطيب

كانت ضحكته المجلجلة تلفت كل الأنظار .. وتجذب الانتباه .. وتفتح القلوب للانصات .. كانت ضحكته تأتي من القلب .. تكاد تُشعركَ بأنه أسعد الناس في الدنيا كلها.

كنت أتأمل ضحكته .. أحاول قراءتها .. وأعرف أنها تأتي من نفس مثقلة بالمعاناة .. والآلام .. والشعور المحبط من الحياة التي أدمته بالحزن .. وطارت به إلى ساحة الجفاف .. ولم تنصفه الا قليلاً..!!.

بدأت صداقتي معه في رحاب المدرسة العزيزية الابتدائية في حارة الشامية كنت أنا في السنة الأولى وهو في السنة الخامسة .. لكن جمعنا حب الرياضة من ذلك الوقت المبكر جداً .. حب الرياضة .. وحب الصحافة .. فقد التحقت أنا بجمعية الصحافة المدرسية .. وكان الراحل الحبيب (عدنان أحمد باديب) لاعباً في فريق المدرسة لكرة القدم وكرة السلة .. لاعباً مرموقاً ومتألقاً.

ثم باعدت الحياة بيننا بضع سنوات لنلتقي ثانية عبر الصحافة فبدأت أنا مراسلاً لأخبار مدرستي في جريدة البلاد ثم بدأت أحاول أكثر من خلال صحيفة (قريش) حتى انتقلت للتعاون الواسع مع صحيفة (الرائد) ثم استقر بي الأمر للعمل الملتزم مع جريدة عكاظ الأسبوعية آنذاك .. وعندما قادني المشوار إلى جريدة (الندوة) كان أخي .. وحبيبي .. وصديقي .. عدنان باديب رحمه الله أحد أعضاء القسم الرياضي في الندوة .. وظللت أكتب مقالتي (على المكشوف) التي بدأتها في عكاظ الأسبوعية وكان يرأس القسم الرياضي في الندوة الزميل الدكتور فائز حسين الذي قرر الاستقالة فجأة حينما جاءه الابتعاث إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه فتولى الزميل الراحل باديب رئاسة القسم الرياضي وكان معه الزميل الدكتور زكريا لال وحاول باديب رحمه الله أن يقنعني بالالتزام بالعمل معهما في القسم الرياضي فرفضت بشدة حتى أن سافرت لمدة شهرين في اجازة قضيتها في مصر لأعود بعدها ويفاجئني الراحل الحبيب بقرار تعييني في القسم الرياضي بناء على طلبي!?! ولما استفسرت عن الحكاية اعترف لي باديب رحمه الله بأنه هو الذي كتب بخط يده طلب التحاقي بالندوة محبة وقناعة بشخصي الضعيف!!.

واستسلمت للأمر وباشرت عملي متعاوناً مع القسم الرياضي ثم تفرغت للعمل الصحافي بعد أن انتقل عدنان باديب إلى رئاسة قسم التحقيقات الصحافية .. واسندت لي رئاسةالقسم.

ومرت السنين وظللت بالندوة (32) عاماً تواصلت فيها صداقتي بباديب في بيت (الندوة) الحبيبة سقى الله أيامها انساً وسعادة وحتى أن تفرغ الراحل الحبيب للغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة الا أنه ظل متعاوناً مع (الندوة) في الفترة المسائية مسؤولاً أيضاً عن قسم التحقيقات الصحافية ثم ترك الندوة عن طواعية بعد أن أعطاها من شبابه .. وخبرته .. ووفائه الشيء الكثير حتى أصبح من رجالات الندوة الذين لا تنساهم ذاكرة الجريدة العريقة.

وعدنان يملك مشاعر شفافة .. وقلباً ناصعاً موسوماً بالوفاء لكل زملائه وأحبابه .. يغضب .. ويتوتر .. ويقرر بقسوة أحياناً .. ثم تنفرج أساريره .. ويستعيد هدوءه .. وتعامله النظيف مع الناس .. كل الناس فهو لا يعترف بمفردة الكراهية .. ولا التعصب .. ولا التلون والمداهنة.

صبور إلى درجة يغبطه عليها كل أحبابه ومحبيه .. ومتفائل رغم كل الظروف .. وضحكاته مجلجلة رغم كل الذي يضنيه .. ويرسم ملامحه بالأسى .. والحزن المجهول.

رحمك الله يا باديب .. وعوضك الجنة وأثابك على عطاءاتك لوطنك ومجتمعك وجمعنا الله بك في جنة الفردوس.

الندوة 1432/11/19هـ