د. هاشم عبد الغفار وغزل المكيين

كان اللقب الوظيفي الرسمي للدكتور هاشم عبد الغفار ــ متعه الله بالصحة والخير ــ هو وكيل وزارة الصحة الدائم، وقد حصل على ذلك اللقب لأنه عاصر نحو خمسة أو ستة وزراء صحة، لم يكن معظمهم أفضل منه علما في الطب أو أكثر خبرة في الإدارة، ولكنه مع ذلك ظل وفيا مخلصا لوطنه ولعمله، مؤديا واجبه بالحيوية نفسها التي بدأ بها عند تقلده المنصب لأول مرة حتى تركه للتقاعد بعد عشرات السنوات من العطاء الجميل.
ولأن الدكتور هاشم عبد الغفار رجل مكي، فقد اختار أم القرى ليقضي فيها سنوات تقاعده، فكان من حسن حظي أنني تعرفت عليه عن كثب عن طريق صديقه الشيخ إبراهيم أحمد سندي مدير عام مكتب العمل والعمال سابقا بالعاصمة المقدسة وأحد رجالات مكة المكرمة المشهود لهم بالنزاهة والفطنة.
وقد لمست في الدكتور هاشم عبد الغفار ما يتمتع به من أدب جم وخلق رفيع، حتى أنه لم يتحدث قط عن نفسه وإنجازاته في وزارة الصحة ولم يشر من قريب أو بعيد إلى مسألة تجاوزه على الرغم من كفاءته العالية، حيث لم يكلف بوزارة الصحة وظل وكيلاً للوزارة.. فلم أسمعه يتحدث عن هذه المسألة إلى أقرب المقربين إليه، كما قد يفعل غيره من الذين يرون أنهم أحق بالمناصب التي لم يرشحوا لها، وفي ذلك دلالة على أن الدكتور هاشم يرى أن الوظيفة تكليف لا تشريف وأن خدمة الوطن واجبة في أي موقع من مواقع العمل الوطني، وأن القرار لصاحب القرار!
وكان جده عبد الغفار بن عبد الرحمن بغدادي أول من التقط صورا فوتو غرافية للمسجد الحرام قبل ما يزيد على 100 عام، وكان جده طبيبا وقد ورث عنه ابنه حسن مهنة الطب فأورثها ابنه الدكتور هاشم الذي يدرج الآن نحو عامه الثمانين وهو كأحسن ما يكون حيوية وأناقة ولياقة، ما شاء الله لا قوة إلا بالله!
وقد قابلته قبل مدة فأهداني مشكورا نسخة من مؤلف بديع يحمل عنوان (غزل المكيين في العصر الأموي) تأليف الدكتور يوسف بكار، إصدار مؤسسة الفرقان للتراث الفكري، وقد اشترى عدة نسخ من الكتاب وخصني بنسخة منه لأنه لاحظ أن مقالاتي تتضمن بعض الاستشهادات الشعرية، فرأى أن في غزل المكيين في العصر الأموي لطفا يستحق أن يشار إليه ويستشهد به.. فهل ما زال ذلك اللطف موجودا في المكيين؟
وأخيرا فإنني أعتبر الدكتور هاشم عبد الغفار نموذجا وضاء للمواطن والمسؤول الملتزم بالواجب والأمانة.

 

جريدة عكاظ - الإثنين 14 / 10 / 1432هـ