خادم الحرمين الشريفين ومفخرة أم القرى

كثيرا ما تقترن حياة الملوك والرؤساء بالإنجازات.. ولكن ما يميز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن أكثر إنجازاته مقترنة بـ (أفعل) التفضيل! ففي عهده أنجزت (أرفع) ساعة إسلامية، و(أكبر) توسعة للحرم المكي الشريف، و(أعظم) جسر عرفته الجمرات، و(أول) قطار يخترق المشاعر وينقل الحجيج، و(أسرع) جامعة نسائية إنجازا. و(أضخم) زيادة في مبالغ صناديق التنمية. و(أكثر) عدد لمدن اقتصادية،.. وهلم جرا.

كل صيغ التفضيل هذه تمثل وجها من وجوه تميز منجزات خادم الحرمين الشريفين. وفي هذا السياق يأتي مشروعه الفريد من نوعه لتوسعة المطاف ليكون (أول) و(أكبر) و(أحدث) و(أميز) مشروع شهده البيت الحرام يهدف إلى زيادة استيعاب المطاف ليستوعب قرابة 130 ألف طائف في الساعة، بعد أن كان يستوعب 50 ألف طائف فقط. تقوم فكرة المشروع المركزية على التعامل المرن مع أرضية المطاف من خلال ربطه بالرواق العباسي عبر ميول خفيف، مع المحافظة على الرواق العباسي، بعد معالجته جزئيا من الناحية الشرقية والغربية، ثم إنشاء رواق سعودي جديد خال من الأعمدة في المنطقة المحاذية للرواق العباسي بعرض 27م مما يتيح إمكانية الاستفادة منها كمطاف إضافي سواء للدور الأرضي أو للأدوار المتكررة. يحقق هذا المشروع ثلاث أوليات: فهو أول مشروع من نوعه يتمكن من إحداث هذه النقلة الهائلة في زيادة عدد الطائفين.

وهو أول مشروع يحقق الجمع بين توسعة المطاف والمحافظة على الصبغة التاريخية للرواق. وهو كذلك أول مشروع هندسي ضخم متعلق ببيت الله الحرام تتولاه وزارة التعليم العالي ممثلة في جامعة أم القرى بالتعاون مع عدد من الجامعات والجهات المحلية والدولية. وجامعة أم القرى تفخر بثقة خادم الحرمين الشريفين حين أسند إليها رئاسة الفريق الذي تولى إعداد الدراسات اللازمة لهذا المشروع، والجامعة ــ بحمد الله ــ أهل لهذه الثقة لقربها مكانا من بيت الله الحرام، ولطول خبرتها في معالجة مشكلات الحج والعمرة من خلال معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، هذا المعهد الذي ينفرد على مستوى العالم بالتخصص في قضايا الحج والعمرة والزيارة على المستوى الهندسي والبيئي والتقني، والذي حاز بحمد الله ثقة الحكومة الرشيدة، وبات مرجعا أول لدى النائب الثاني وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رئيس لجنة الحج العليا، بحيث إن سموه يرفض النظر في أي مشروع متعلق بالحج والعمرة ما لم يكن قد حظي بدراسة المعهد ومراجعته. وفيما عدا هذه (الأوليات) في هذا المشروع وغيره من المشاريع فإن هناك معنى آخر عميقا لهذا المشروع.. وهو حب خادم الحرمين الشريفين لهذه البقعة المباركة، وقد سمعنا جميعا كلمته العفوية الصادقة حين قال: «مكة ما يغلى عليها شي». وصدق خادم الحرمين.. صدق قولا وفعلا. كل من تابع ما بثته وسائل الإعلام من تغطية لتدشين هذا المشروع أدرك ما يكنه هذا الملك الصالح لمكة.. كلماته وتوجيهاته ونظراته وقراراته وتأكيداته وحتى إصراره على سرعة الإنجاز..

كل ذلك كان يمثل صورة متألقة لحب مكة حرما وأرضا وإنسانا. وثمة معنى ثالث.. لقد أثبت هذا المشروع ــ كغيره من المشاريع ــ أن خدمة الحرمين الشريفين لم تكن مجرد لقب! بل كانت مهمة نبيلة أدرك حفظه الله أبعادها، ونهض لتبعاتها بعزم لا يلين. وذلك درس بليغ ينبغي أن يعيه الذين يتوشحون بأوشحة الألقاب ويتفاخرن بها ثم لا يقومون بحقها. عزيزي القارئ ليست هذه المقالة مقالة تبجيلية ــ وإن كان خادم الحرمين أهلا لذلك وأضعافه ــ ولكنها مقالة اعتبار.. تأخذ العبرة والدرس من هذا الملك الإنسان الذي أحب شعبه وأحبه شعبه، لم يبخل عليهم فلم يبخلوا عليه. والذي أحسبه مصداقا من مصاديق قوله صلى الله عليه وسلم: (خير أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتدعون لهم ويدعون لكم). مشروع توسعة المطاف يعلمنا كيف يكون الإنسان متميزا متفوقا، وكيف يكون محبا للبيت الحرام، وكيف يكون صادقا في حمل أمانته غير مقتصر على الأسماء والألقاب.. فشكرا يا خادم الحرمين.. شكرا لك لا بلسان جامعة أم القرى وحدها.. بل بلسان كل مسلم سيزور هذا البيت ويتفيأ ظلال هذه المشاريع العملاقة.

عكاظ 1432/10/13هـ