ورحل أستاذ الجيل في ليلة الغفران فقيد الكلمة محمد صلاح الدين الدندراوي

برحيل الانسان محمد صلاح الدين الدندراوي تفقد الساحة الفكرية والأدبية والصحفية واحدا من أشهر وأبرز من تعاملوا مع الحرف بصدق وشفافية ووضوح وجرأة غير مسبوقة وصل حد التأثير في قرائه ومريديه والمعجبين بطرحه الفكري بأنهم كانوا يتناولون صحيفة المدينة من صفحتها الأخيرة ليقرؤوا كلمات صاحب الفلك الذي لم يتوقف عن التحليق لمدة تقارب نصف قرن من الزمن في صنعة صحفية قل نظيرها عند مجايليه من الكتاب وفي طرح موضوعي يتناول أكثر القضايا تعقيدا بكلمات موجزة وأسلوب متقن .وكان «صلاح» يقول في سطور ما يقوله الآخرون في صفحات. ومنذ أن حل الأستاذ في صحيفة المدينة الغراء في منتصف الثمانينات الهجرية بعد انتقاله من مكة المكرمة شرفها الله والتي شهدت بداياته الصحفية الأولى والقوية في كل من صحيفة الندوة ثم مجلة الحج، نعم..منذ أن حل أستاذنا في الصحيفة استطاع بشخصيته المحبوبة والبسيطة والمؤثرة والجذابة أن يكون مدرسة صحفية عريقة هي الأبرز بين المدارس والتوجهات الصحفية الأخرى فلقد أمد صحافتنا الوطنية بجيل كانت له تأثيرات قوية فيما بعد وكان هذا الجيل مزيجا من الصحافيين والكتاب الذين وان اختلفت مشاربهم وتنوعت رؤاهم وتباعدت طروحاتهم ولكنهم كانوا يتفقون على أن تأثير الأستاذ فيهم كان كبيرا.

 

لقد عرفت الأستاذ في رضائه وغضبه وفي شدته وليونته فلم أسمع منه يوما على مدى ثلاثين عاما كلمة نابية ولا عبارة جارحة حتى في حق أولئك النفر القليل الذين قادهم طيش النفس وجموحها فنالوا منه عفا الله عنهم ما هو منه براء ولولا أن علائق المحبة الراسخة تقتضي حفظ الأسرار في الحياة وهي بعد الممات أكثر تمنعا على البوح بها لذكرت ما يميط اللثام عن جوانب القدرة والرجولة والشهامة عند الراحل في مقابلة الإساءة بالإحسان واحتساب الأجر عند الله بدلا من طلب الحق للذات والتشبث به.

 

ولعل انتساب الأستاذ رحمه الله من جهة والدته لأسرة دينية معروفة في رحاب البلد الحرام منذ عشرات السنين -السادة آل الدندراوي- هو الذي كان وراء ذلك الصفاء الروحي الذي كان يتبطن تلك النفس المؤمنة والراضية وهو صفاء انعكس على محياه الكريم والحيي والذي كان مقبولا عند عامة الناس وخاصتهم وصغيرهم وكبيرهم.

 

كان الأستاذ منفتحا على جميع التيارات الفكرية المختلفة في بلادنا وليس من بأس أن أذكر اليوم بأن ذوي القضايا الفكرية المختلفة كانوا يلجأون بين الحين والآخر الى مكتبه في الدار السعودية أو في وكالة مكة ليعرضوا عليه ما يريدون التعبير عنه وكان يمسك بالقلم دون أن يشطب عند معالجته للكلمة أو تدوينها ثم يقدم للآخرين ما يريدون وقد خرج ما كتبه ممزوجا بتجربته الكتابية المتميزة ولم تكن تخلو كتاباته تلك من الاستشهاد بآيات من كتاب الله الكريم الذي كان يحفظه مجودا عن ظهر قلب وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبآراء كبار الكتاب شرقيين وغربيين فيخرج القوم من عنده وهم راضون بما كتب وبما يحقق المصلحة العامة المرتجاة.

 

واليوم بفقد أستاذ الجيل تطوى صفحة من صفحات تاريخنا الفكري والصحافي مدادها الصدق في الطرح والبلاغة في القول والقدرة على التحليق في أجواء الصفاء والطهر والمحبة والنقاء.

 

رحمك الله يا أبا عمرو وأسكنك فسيح جناته في الجوار الكريم إزاء ما قدمت وبذلت ودونت وإنا لله وإنا إليه راجعون.

المدينة 1432/10/1هـ