حلم مكة المكرمة هل يتحقق؟
جاءت فكرة المقال (الحلم) عندما كنتُ أقود سيارتي عائداً إلى الرياض بعد أن منّ الله علي بالعمرة في شهر رمضان لذلك العام، وبعد أن عانيت من الازدحام والفوضى المرورية، وضعف الخدمات العامة. وقد رأيت أن الحاج أو المعتمر يفقد الكثير من الخشوع والطمأنينه التي جاء يبحث عنها في تلك البقعة المقدسة، ويزول عنه صفاء الذهن الموجب للتأمل والتفكر في الحياة والكون، وفي أحواله ومآله، وذلك بسبب انشغاله بتخليص نفسه من الزحام، أو بتدبير ضروريات العيش له ولعائلته، أو البحث عن مكان لسيارته، أو البحث عن سيارة تقله إلى مكان آخر. وهكذا يعيش الزائر للبيت العتيق في دوامة من المشكلات التي يمكن حلها بسهولة إذا تم التخطيط لها بشكل شامل وليس بالخطط المؤقتة والحلول المستعجلة.
ولكن يبدو أننا في عصر يمكن فيه نقل الأحلام إلى أرض الواقع، فها هو خادم الحرمين الشريفين يدشن قبل يومين مشروع أكبر توسعة للحرم المكي في التاريخ. ولكن الجديد ليس في هذه التوسعة، فقد شهد الحرم المكي توسعات في مراحل تاريخية سابقة وذلك بناء على الاحتياج والتوسع، وإنما الجديد في هذا المشروع هو إعادة تخطيط المنطقة المركزية للحرم المكي، فقد أعلن الأمير خالد الفيصل في حفل تدشين التوسعة الجديدة، أن خادم الحرمين الشريفين أمر بتنفيذ مشروع الملك عبدالعزيز لتطوير المنطقة المحيطة بالحرم المكي، أو كما جاء على لسان سمو الأمير " مشروع لم يسبقك اليه أحد ولم ينفذ مثله في بلد، يعالج معظم الاحياء العشوائية ويجعل من مكة مدينة حضارية عصرية محتفظة بهويتها الاسلامية محاطة بطرق دائرية تتخللها شوارع رئيسية إشعاعية ترتبط بساحات الحرم بمحطات ووسائل نقل حديثة ذكية."
هذا حقيقةً ما تحتاجه مكة المكرمة، فالسنوات الأخيرة شهدت قفزة حضارية في مستوى الضيافة، في الفنادق الفخمة، والشقق المفروشة المتميزة، كما شهدت ساحات الحرم العديد من التوسعات والتحسينات، من أهمها توسعة المسعى، ويتوقع أن تحل التوسعة الجديدة الاختناق الذي يجده المصلون داخل الحرم، ولكن أهمّ المشكلات التي لم تجد لها حلاً، هي في مستوى الخدمات المرورية والبلدية ، فشوارع مكة كما هو معروف ضيقة بسبب الجبال المحيطة، والساحات المخصصة لمواقف السيارات بعيدة ورديئة الخدمات، وخدمات سيارات الأجرة والباصات ليست في المستوى المطلوب، ومستوى النظافة في الأحياء المجاورة للحرم رديئة، ولا تعكس المستوى الحضاري الذي يجب أن يتحلى به زوار المكان المقدس. ويضاف إلى ذلك أن حركة البيع والشراء المزدحمة في المناطق القريبة من الحرم تشوش على الصفاء الروحاني الذي يبحث عنه الزائر في تلك البقاع الطاهرة.
إنني أتمنى من القائمين على هذا المشروع العملاق أن يمنحوا فرصة للأفكار المبدعة، وأن لا يستعجلوا في تنفيذ المشروع، إلا بعد أن تكتمل عناصره، وأن يهتموا بالتفاصيل مهما كانت صغيرة، لأن نقص صغير هنا ، ونقص صغير آخر هناك، قد يفسد روعة المشروع، وقد يفقد من قيمته المعنوية والمادية.
والله ولي التوفيق..
الرياض 1432/9/22هـ