مطار لمكة المكرمة

« لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها « وكذلك لا يعرف أهمية إنشاء مطار خاص بأم القرى مكة المكرمة إلا من يعلم كم هي معاناة أهل هذه البلدة الطيبة التي قدسها الله وجعل فيها أول بيت وضع للناس قبلة المسلمين ، كما هي بالطبع معاناة الحجاج والعمار والزوار وأصحاب المصالح الذين يضطرون إلى السفر صوب مطار جدة وقضاء أكثر من ساعتين للسفر منها إلى وجهتهم داخليا وخارجيا ، خاصة من بحوزتهم أغراض تحتاج إلى وزن وإنهاء إجراءات السفر والتي يواجهون مشكلات عديدة في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة والمزدحم طوال العام عامة وفي المواسم خاصة ، ناهيك عن تأخر أو إلغاء الرحلات دون سابق إنذار – كما جرت عادة الخطوط السعودية ناقلنا الوطني - أو تأخر المسافرين نتيجة مشكلات الطريق المفاجئة بين مكة وجدة والتي لا دخل لهم بها سواء الحوادث المرورية أو عمليات التفتيش الأمنية ، وهي قضايا لا حدود تمنع حدوثها لا وقتا ولا نوعا ولا عددا ، فهي طارئة ولا يمكن التنبؤ بها .

 

صحيح أن فكرة مطار لمكة المكرمة ليست جديدة وقد سبق لها أن نوقشت على صفحات الجرائد المحلية وقد صرح بعض المسئولين بأن لا ضرورة له أو أن مطار جدة يكفي ، ولكن يبدو أن بعض هؤلاء الرافضين لهذه الفكرة لا يعرفون ولا يشعرون بما يعانيه المسافرون عبر مطار جدة وهي معاناة أصبحت تتفاقم بدلا من اختفائها أو تناقصها ، ليس لأن بعض الناس يتعمد زيادتها أو يعمل على تفاقمها ولكن لأن كثيرا من المتغيرات على أرض الواقع هي السبب الأول والمتهم الرئيس ، فعلى سبيل المثال الطريق السريع ( طريق الحرمين ) و ما هو عليه من ضيق - رغم توسعته المحدودة التي أحدثت عليه مؤخرا - وشدة الازدحام وخاصة ابتداء من نقطة التفتيش في مدخل جدة ووصولا إلى المطار ، وفي معظم الأحيان ويزداد ازدحامه وكثافة الحركة عليه وقت الذروات صباحا وظهرا وبعد العصر وامتدادا إلى أوقات متأخرة من الليل ، أي أنه طوال الوقت أصبح لا يفتر عن مشكلة الاختناقات ، ناهيك عن الحوادث المتكررة في هذه المنطقة ، وهذا الجزء من الطريق يحتاج إلى إعادة نظر فإما توسعته وقد تم ذلك قبل سنوات قريبة ولكن دون جدوى ، لأن حلولنا تأتي متأخرة فلا تحل المشكلة القديمة ولا تنفع الوضع الحاضر ، فهل من علاج له؟

 

ومهما كانت الحلول التي يراد بها علاج مشكلات مطار الملك عبد العزيز بجدة إلا أنها لن تكفي ولن تقف في مواجهة مطلب إنشاء مطار خاص بمكة المكرمة يخدم أهلها والقادمين والمغادرين منها خاصة الحجاج والعمار ، بمعنى أنه يمكن أن يخصص للرحلات الداخلية وخاصة بين أم القرى والمدينة المنورة ، وهذا قد يخفف كثيرا من الضغط على مطار جدة بالفعل ويريح أعصاب ويهدئ نفوس جيران بيت الله وضيوف الرحمن ، وقد يقال إن مشروع قطار الحرمين الجاري تنفيذه الآن سيؤدي إلى إنهاء المشكلة أو على الأقل تخفيفها باعتبار أنه سيقلل الوقت إلى ساعة ونصف تقريبا في السفر بين المدينتين العظيمتين ، وقد يكون هذا كله صحيحا بنسبة عالية ، لكنه لا يكفي – والله أعلم - لسد حاجة المسافرين اليوم وغدا خاصة في ظل فتح باب العمرة والزيارة طوال العام وازدياد أعداد الحجاج سنويا ، فالقطار سيحل جزءا من المشكلة لكنه لن يحلها كلها تماما كما يبدو من واقع الحال .

المدينة 1432/9/21هـ