الوفاء والحب.. للمكان المقدس

بيوت مكة العلمية العريقة توارث فيها الابناء والأحفاد العلم كابراً عن كابر وكثير من تلك الاسر عرفت بالوفاء والحب لهذا المكان المقدس البلد الأمين وتميزت تلك البيوت بأهميتها التاريخية والثقافية والاجتماعية لأنها تحمل صدى السنين وروائع الذكريات وبهيج الاشجان، ومن هذه النماذج المضيئة التي تعتبر نموذجاً للشباب والشابات والتي خرجت من بيوت مكة العريقة محمد مرداد هذه الشخصية التي شدتني من خلال مسيرتها العملية والعلمية ونشاطه الذي امتد الى التدريس بالمدارس الاهلية والحكومية ومنها الرحمانية بالمسعى والعزيزية الابتدائية بالشامية، كما شدتني المكانة العلمية لهذه الشخصية التي تحترم الرأي والرأي الآخر، ولكن من ذات منطلق الشفافية والوضوح أرى بعد هذا الجيل عن هذه السير وقراءة حياة هذه النماذج، وهذا الرجل كان يقوم بابرام عقود الأنكحة التي كان يتولاها عادة العلماء بالمسجد الحرام، ونحن حينما نكتب عن هؤلاء الرجال نريد من هذا الجيل قراءة صفات هذه الشخصيات المحببة التي كانت تحمل نفوساً هادئة مسالمة وروحاً متواضعة كلها شغف وعطف وحب ولهم من السلوك المثالي العام والخاص ما لا يمحوه الزمن، ويعرف ان هذه البيوت المكية العريقة لها كثير من الأنظمة التربوية من أهمها شغلها الشاغل ان يحفظ الابن كتاب الله الكريم وهكذا محمد مرداد منذ صباه، ومن الوظائف الشرعية التي مارسها قيامه بابرام العقود التي كان يتولاها العلماء، من أمثال الشيخ علوي المالكي والعلامة محمد أمين كتبي وكان الناس يتفاءلون ويتيمنون بعقودهم ويتحرون لها اشخاصهم، املاً في دعاء صالح من أنفاس زكية نقية، وفي سيرة هذا الرجل انه مرجع في المذهب الحنفي يشار إليه من علماء مكة المكرمة عندما يستفتون من هذا المذهب، وحلقة درسه بين باب السلام والدريبة، يقول الدكتور عبدالوهاب ابو سليمان عن شخصية محمد مرداد ــ كان رحمه الله شخصية محببة بين زملائه لما هو معروف عنه من نفس هادئة، ومثالاً للمؤمن الصادق الوفي المخلص لبلاده.

فأين هذا الجيل من هذه الشخصيات وكفاحها وتواصلها مع مجتمعها وقبولها للآخر، هذه الاسئلة كثيراً ما تؤرقني وتحتل مساحة كبيرة لدي ولم أجد اجابات مقنعة لها.

من الأعماق
أين تلك الصور الجميلة اين غابت واختفت واختفى معها عبق الماضي وعراقته غابت تلك الوجوه التي تعطيك الابتسامة وتعاملك بصفاء دون مداهنة عشنا بينهم وشاهدنا كيف يسكن الحب العامر في قلوبهم ابهى صورة بينهم هذا الحب الفياض والمتدفق صنع مشاعر المودة حولهم اين تلك النفوس التي لطالما رافقت عراقة الماضي كنت اسأل صديقي عن تلك المدينة التي اخذت منا ذكريات تظل عالقة لا يمحوها غبار السنين وعشت أجوب بذاكرتي في تلك الأمكنة التي كنا نمشي على ترابها والبيوت التي تناساها الزمن والأحباب وكأنها لم تكن رائحة الماضي فيها لازالت تفوح، ليتها تعود حورية تغني بعذوبة.

الندوة 1432/8/30هـ