عالم من مكة المكرمة

رائدنا اليوم من العلماء الصالحين الأفاضل الذين تخرجوا وتألقوا على أيدي علماء كانت ساحات الحرم تمتلئ بهم ويستفيد الجميع بعلمهم وأدبهم في تدريس العلوم.

شيخنا هو العالم الخليفة بن حمد بن موسى بن نبهان العلامة المكي ولد بمدينة البحرين سنة 1270هـ ويتصل نسبه إلى نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء ، هاجر من البحرين إلى مكة المكرمة وعمره سبعة عشر عاماً لطلب العلم وعندما هاجر كانت برفقته والدته ثم لحق بهما والده بعد بضع سنين.

اشتغل شيخنا بتحصيل العلوم منذ أن وصل إلى مكة المكرمة وظل مجداً مثابراً على حضور حلقات المسجد الحرام ينهل من ينبوع العلماء والأئمة الاعلام الكبار .. لقد وفق الله رائدنا لهذا الأسبوع إلى الاستزادة من الخير العميم على يد عدد من العلماء منهم الشيخ أحمد بن عبدالله الزواوي حيث اخذ عنه النحو والفقه والتفسير ، كما اخذ عن الشيخ حسين بن ابراهيم الازهري علم التفسير والفقه. وواصل علمه ودراسته على يد الشيخ عبدالقادر مشاط علوم الفقه ، وعلى يد الشيخ بكري حجي البسيوني كما حضر الشيخ جعفر لبني الحنفي وتلقى عنده عدة فنون ولازم الشيخ محمد بن يوسف الخياط الفكر المكي واخذ عن الشيخ عبدالرحمن دهان الحنفي الحديث وعلمي الفلك والميقات ، ودرس العلوم الرياضية عن الشيخ محمود بن نار البغدادي النقشبندي.

وقام رائدنا بزيارة المدينة المنورة طيبة الطيبة مثوى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عدة مرات واخذ عن علمائها الاجلاء التي كانت حلقاتهم تضيء أروقة الحرم النبوي الشريف فأخذ عن الشيخ المسند فالح بن محمد الظاهري المسلسلات التي تضمنها ثبته الصغير المطبوع المسمى حسن الوفى لاخوان الصفا وحضر كذلك ختم صحيح مسلم عند العلامة الشيخ أحمد بن اسماعيل البرزنجي وقرأ الاوائل العجلونية على الشيخ محمد رضوان المدني ولشيخنا خليفة بن حمد المكي شيوخ آخرون بالمدينة المنورة.

لقد اشتغل الشيخ النبهاني بالتدريس في المسجد الحرام وتحت أروقته ، وعين مهندسا لتعمير عين زبيدة وعين الزعفرانه بمكة المكرمة عام 1326هـ ثم عين زبيدة داخل مكة المكرمة فعرف بالقسام .. كذلك فقد أسندت إليه رئاسة التوقيت بمكة المكرمة وما حولها.

لقد كانت لشيخنا عدة رحلات علمية حيث وصل الى افريقيا واندونيسيا سنة 1301هـ ووصل الى البصرة والبحرين وعام 1305هـ رحل إلى سنغافورة وبعض بلاد اندونيسيا مرة ثانية وفي سنة 1313هـ ذهب إلى مسقط والبصرة والبحرين وفي عام 1315هـ وصل عدن وسنة 1317هـ وصل الى البصرة والكويت والبحرين وقد استفاد من هذه الرحلات جميعها واخذ عن كثير من المشائخ في تلك البلاد التي زارها.

وكانت لشيخنا النبهاني حلقة يعقدها بمنزله في المسفلة وكان يأخذ تلاميذه ويصعد بهم جبل قبيس لتعليمهم الفلك والميقات. لقد كان للشيخ النبهاني مجموعة كبيرة من التلاميذ من مختلف الطبقات يصعب حصرهم ، ولكن جميع من درسوا على يديه اصبحوا اعلاماً زينت بهم أروقة المسجد الحرام واصبحوا مشاعل علم ديني ودنيوي ومن تلاميذ شيخنا نذكر العلامة الفاضل الشيخ حسن بن محمد المشاط المتوفى عام 1399هـ والعلامة الفاضل الشيخ علوي عباس المالكي والد الدكتور محمد علوي المالكي ، ومن تلاميذه ايضاً الشيخ عبدالرحمن كريم بخش الهندي المكي ، والشيخ محمد صالح بن ادريس كلنتن ، والعلامة الشيخ أحمد بن عبدالله صدقه دحلان ومن تلاميذه العالم الفاضل محسن بن علي الحساوي ، والشيخ عبدالله ناضر بن المكي ، والعالم زين بن عبدالله الباوياتي المكي وغيرهم كثيرون ممن كانت حلقاتهم في بيت الله الحرام نوراً تضيء للقادمين ومن يريد تحصيل العلم بنية صالحة.

لقد كان رائدنا رحمه الله تعالى عالما متواضعا ذا همة عالية ورأى مصيب وكان حريصاً على اقتناص الفوائد وافادة طلبته كل الحرص ، وكان يحب التوسع في الرواية وكان له مهارة تامة في الفقه المالكي وعلم الفلك والميقات ، رحل اليه الناس من كثير من الاقطار البعيدة فحضروا دروسه في الفقه والفلك وكثير من العلوم الاخرى.

ورغم اشتغاله بكثير من المناصب وتدريسه في الحرم المكي الشريف ورحلاته الى كثير من البلدان فقد صنف مصنفات كثيرة مفيدة خاصة في علم الفلك والميقات منها كتابه الكبير المسمى الوسيلة المرعية لمعرفة الاوقات الشرعية وقد طبع هذا الكتاب وعم به النفع ومن هذه المصنفات ايضا (جداول الدائرة المغناطيسية لمعرفة القبلة الاسلامية) ومنها (التقديرات النفسية في بيان البسيطة والكبيسة) ومن المصنفات منظومة في منازل العمر وقد كتب عليها الشيخ محسن بن علي المساوي بعض التعليقات وشرحها الشيخ ياسين الفاداني سماء جني التمر شرح منظومة منازل القمر وله بعض اشعار في المدح النبوي.

لرائدنا اليوم أبناء افاضل منهم العلامة محمد بن خليفة القاضي بالبصرة ومن ابنائه الشيخ أحمد بن خليفة والشيخ موسى بن خليفة وجميع ابنائه من زوجته التي تنتسب إلى آل حديد الشيابين.

وبعد حياة حافلة بالنفع والافادة والعبادة ورحلاته وتجولاته في كثير من بلدان العالم الاسلامي وتدريسه في المسجد الحرام تحت اروقته توفي علمنا ورائدنا العلامة خليفة بن حمد النبهاني المكي الفقيه قدوة العلماء يوم الخميس اول ايام شهر ذي القعدة المحرم وشيعت جنازته في جمع حافل بالعلماء والطلاب الذين استفادوا من علمه وانتفعوا به ودفن بالمعلاه بمكة المكرمة أم القرى رحمه الله رحمة تجعله في أعلى الجنان ، وتسكنه مع الصديقين والشهداء والصالحين.