فما هو دورنا نحن أهل مكة؟

 

أمانة مكة المكرمة في يد ابنها البار:
فما هو دورنا نحن أهل مكة؟

 

 

 
الدكتور أسامة بن السيد فضل بن عيدروس البار شخصية غير عادية، وهبها الله من الصفات ما قد أعجز عن تطويع قلمي لصياغته نصاً ينبض بمكنون حميميتها وصدقها، صفات يغبطه عليها مَن عرفه، ويحبه بسببها حتى مَن لم يعرفه. ولكن اسمحوا لي يا أهل مكة الكرام أن أنأى بي وبكم عن شبهة التملّق الذي أصبح من سمات العصر، وله فرسانه في كل محفل، وذلك بالحديث بشكل مباشر عن الموضوع الذي أردت الكتابة عنه: الأمانة الجسيمة هي في عنق ابن مكة، فما هو دورنا نحن أهل مكة؟ ترى هل سنكتفي بالفرجة، وحكي المجالس؟ هل ما نسمعه من حرص الناس على نجاحه في مهمته، والدعاء الموصول له بالتوفيق، مجرد تعاطف، ومن باب المودة في القربى؟ هل ما يلهج به الناس من ثناء عليه في شعاب مكة وواديها، قاصيهم ودانيهم، يتوقف عند هذا الحد؟ أم ترى أن ذلك يستتبعه تفكير جاد في الوقوف معه في مؤازرة صادقة، وفق آلِيَّـــةٍ يرتضيها هو، عبر قنوات يحددها هو، بالتزام يتجاوز المجرد إلى المحسوس، والقول إلى الفعل؟ آلية تنقل له نبض الشارع، ورؤى النخب، على حدٍ سواء، فيعايش خلجاتهم، ويستشعر آلامهم، ويستشرف آمالهم؟ إنهم يرجون أن يكون مكانهم في فكره مكينًا، فمكانه في وجدانهم أمكن. صحيح أن معالي السيد الدكتور أسامة عزيز بن عزيز، كريم محتد، ونبيل أصل. وصحيح أن دليله في الحادثات وفي النوازع سمت الهدى. وصحيح أنه لم يأتِ لهذا الموقع من فراغ؛ فسجلّه حافل بالإنجاز، وبصماته حيثما حلَّ ماثلة للعيان. ولكن أمانة العاصمة عالم آخر، ليس لكونها نسيجًا غير أكاديمي، بل لما يعتورها من الداخل والخارج من معاول تعاقبت على من كان قبله حتى غدا الحليم منهم حيران، يتقلّب بين اجتهاد مدخول، ورؤية ضبابية، فيجانبه الصواب؛ يتريث حيث يكون الحسم أجدى حتى يتبيــَّـغ بالمظلومِ الحَيْفُ والجور؛ ويحسم أمرًا لم يستوفِ تقصِّيه فيصبح صاحب الباطل سادرًا في غيـِّه؛ ويولي اهتمامه جهة ما، ويتبين له أن سواها كان أولى؛ ويعتري حُسْنَ ظنه إفراطٌ وتفريط، فيصيخ السمع لمن لا يأمر بمعروف، ولا يدل على خيــر، أو يتجاهل مشفقًا يمحضـه النصح. بل إن البعض منهم التمس السلامة، وآثر الدعة خلف دروع ممّن استمرؤوا امتهان الناس؛ حتى غدا لهم ديدنًا، واستخفوا بمسؤولياتهم حتى أضحت في أزمة الذمم مغنمًا، وسوى ذلك ممّا لا يقع تحت حصر، حتى امتزِجَ بينهم وبين الناس شِرْبٌ وبيء، أسلم بعضهم إلى السأم، ومن ثم الإحباط والتواري، فآثروا الخروج بما تبقّى من حجى، ورضوا من الغنيمة بالإياب. والبعض الآخر منهم تجرّع غصتها حتى الثمالة. عندها كانت تستعر المجالس بالحكي، وتنطلق الألسن بما اعتادت على الخوض فيه. ويسدل الستار في المشهد الأخير على قوم فيهم مشفق صامت، ومبغض شامت. وفيهم حكيم متأمّل، وصديق متألم. أمّا المعاول فإنها تدخل في هذا التصنيف من بوابة المصالح والنفوذ، وليس في مفرداتها الحكمة والتأمّل، أو الصداقة والإحساس بالألم . فهي تهادن طالما ظلت مصالحها متحققة، ونفوذها قويًّا، تلتهم الأخضر واليابس، وتفرض إرادتها عنوة، ولا ترضى بأقل من ذلك، وإلاَّ استعْدَت على الحُرِّ الأبيِّ كافة أعوانها من أهل الباطل. ?أَوَليس في ذلك ما يبرر ما يعتمل في نفوس محبي السيد أسامة من حدبٍ عليه مردُّه كونه أنموذجًا يمثّلهم؟ وأنه بالنسبة لهم ليس من الآحاد الذين لا يؤبه لمصيرهم؟ ويصبح بالتالي مد يد العون له من أوجب الواجبات؟ من هنا فرض التساؤل نفسه: أَليس هو بحاجة إلى آلية تحقق له المشاركة الفعلية الإيجابية، التي تعينه وتدرأ عنه - بكل الصبر والأناة والاحتساب - معاول الباطل، دافعها حبها لوطنها، وحرصها على نجاحه في مهمته الجسيمة؟ يا أهل مكة الكرام: أنتم ربعه وعزوته .. فهل ستقفون معه؟ أرجو ذلك.? والله سبحانه ولي التوفيق..