تطوير الجبال.. أولاً!
يلاحظ أي إنسان قادم إلى مكة المكرمة من أية جهة من جهاتها الأصلية أو الفرعية أول ما يلاحظ أمامه عددا من الجبال التي تعلوها منازل صغيرة أو متوسطة منتشرة فيها بشكل عشوائي، كما يلاحظ عندما يلج إلى قلب أم القرى ــ أي على ضفاف الجبال والوديان ــ مناطق عشوائية قريبة أو بعيدة عن الحرم وتتجه النية إلى تخطيط تلك المناطق العشوائية وهذا شيء حسن، ولكن المصلحة تقتضي البدء بوضع مخطط عام شامل لهذه المدينة المقدسة يشمل وديانها وجبالها جميعا، وأن تكون بداية التخطيط للمناطق العشوائية من الجبال المكتظة بالسكان والعشوائيات التي إذا ما صعد إليها الإنسان راجلا أو بسيارته فإنه يرى العجب العجاب من أزقة ضيقة ومنحدرات خطرة ومياه آسنة تسيل في الطرقات وحياة بائسة ومناطق لا يمكن الوصول إليها إلا بالسلالم الحجرية أو الأسمنتية، وبما أن مكة المكرمة مدينة جميلة فلا بد من استلهام ما هو معمول به في دول العالم المتقدم الذي به مدن جبلية وكيف جعلتها صالحة للسكن المريح من حيث التخطيط البديع والشوارع والأبنية المناسبة والبنية التحتية المتكاملة، بل أكثر تميزا من المناطق المنخفضة التي تقع في السفوح والوديان؛ لأنها خططت وهيئت بطريقة حضارية مدروسة ثم ربطت بعضها ببعض.. فلابد أن يكون كل واحد من هذه الجبال منفصلا تخطيطا عن الآخر، بل تكون متواصلة فيما بينها بجسور أو أنفاق أو طرق فلا يعطى امتياز تطوير جبل من الجبال لجهة لتخططه وتطوره والجبل الثاني لجهة أخرى فإذا أكملت أعمال التخطيط في الجبلين لم يكن بينهما انسجام تخطيطي أو خدماتي، أما إذا وضع مخطط عام لتطوير المناطق الجبلية فعندها يمكن إسناد أمر التطوير والاستثمار إلى جهات متعددة تنفذ مشاريعها وفق ما هو موجود في المخطط العام دون اجتهادات تؤدي إلى عدم تناغم أجزاء المخطط العام بعضها مع بعض فإذا تحقق ذلك فإن من السهولة بمكان النزول إلى المناطق العشوائية الصغيرة الموجودة في سفوح مكة ووديانها فيتم تنفيذ المخطط الخاص بها الذي يكون في الأصل جزءا لا يتجزأ من المخطط العام للعاصمة المقدسة، أما بغير هذا فإن الاكتفاء بتخطيط الأحياء العشوائية في الوديان والأحياء المنبسطة وترك الجبال المحيطة بها على حالها البائس فإن هذا لا يعد تخطيطا سليما ولا يحسن من صورة أم القرى لأنه لا معنى لوجود مخطط منتظم يعلوه جبل عشوائي يرسل أحجاره وترابه مياهه الآسنة وسيله كلما هطلت الأمطار لتنسد بها مناهل تصريف مياه السيول والصرف الصحي، كما أنه لا يعد من التخطيط السليم أن يكون أمر تخطيط وتنظيم المناطق الجبلية أمرا اجتهاديا يوكل إلى عدة جهات تفعل فيه ما تشاء دون وجود مخطط عام ذي شروط محددة يربط تلك الجبال بعضها ببعض، ولعل ما ذكر يحظى بدراسة متأنية من الجهات المختصة!.
عكاظ 1432/5/26هـ