عزاؤنا لجامعة أم القرى

عزاؤنا لجامعة أم القرى في رحيل إحدى مربياتها الفاضلات التي نذرت حياتها للعلم والخير، إنها الأخت الحبيبة الأستاذة الدكتورة «ليلى بنت عبدالله السليمان المزروع»، التي وافتها المنيّة في يوم الثلاثاء 15/5/1432هـ، بعد إصابتها المفاجئة بمرضٍ لازمها وقتاً وكان سبباً في وفاتها، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله كفارة لها، وأن يكتبها في منازل الشهداء مع الصديقين والنبيين وحسن أولئك رفيقاً.

كانت تتمنى أن تموت شهيدة، فلعل ما أصابها يكون تحقيقاً لأمنيتها، الدكتورة ليلى المزروع هي أخت حبيبة، وصديقة حميمة، كانت علاقتي بها، علاقة لها مذاقها الخاص، ونكهتها المميزة، فأنا لست من المتصلات بها على الدوام، ولكنني كنت أشعر بها دائماً داخل نفسي ولعله شعور صادق متبادل، فإذا ما لقيتها بعد طول غياب رأيت حِلَق الزمن تتساقط بين يديها، إذ تلقاك ببشاشتها وترحيبها، وضحكتها المميزة، فتشعر أنك لم تفارقها قط.

لقد علمتني الحياة أن الصلات والعلاقات بين البشر، هي نسيج روحي، فالتلاقي اليومي ليس دليلاً على عمق الصلة، إذا فُقد التواصل الروحي، فهناك أناس لا تراهم على الدوام ولا تتصل بهم على التكرار، ولكنك تشعر بقربهم مهما بعدت المسافات وطال الزمن، هذا النوع تعرفه إذا ما التقيت به بعد نأي، فتراه كما تركته بشوشاً محباً ودوداً ،وهناك أقوام تراهم على الدوام وتصاحبهم في كثير من المهام، ولكنك تشعر بالغربة القاتمة مهما علت ضحكاتهم.

أما الأخت ليلى فهي من ذاك النوع الأصيل الودود الذي يمتلك القدرة على التواصل الروحي المتين.

كان يعجبني في الأخت ليلى حبها للعطاء بكل أشكاله وضروبه وحماسها الوقَّاد الملثم، وأعني به ذاك الحماس الفاعل الوقاد لعمل الخير، والروح الوثَّابة لمناصرة الضعفاء.

أما كيف يكون الحماس الوقَّاد ملثماً، فأقصد به ذاك الحماس الذي يستحي من رؤية الأضواء، والظهور على المنصات، ويأنف عن سماع الإطراء والمدح.
لقد كانت ليلى –رحمها الله- تعمل في خفاء وإخلاص، حتى إنها قبل وفاتها، أخذت توقِّع بيديها المرتعشتين على أعمال خير لم يمهلها المرض لتنفيذها.

الدكتورة ليلى المزروع لمن لا يعرفها هي أول دكتورة سعودية تحصل على درجة الأستاذية في قسم علم النفس ورياض الأطفال في جامعة أم القرى، لقد خدمت في تلك الجامعة ما يربو على خمسة وثلاثين عاماً، كانت حافلة بالعطاء العلمي، والنشاط الاجتماعي المثمر، فلها نتاج علمي بلغ ثلاثة عشر بحثاً، عالجت فيها كثيراً من الموضوعات الحيوية والمعاصرة التي تفيد الفرد والمجتمع.. ولها كتاب (دور المرأة في الحفاظ على الكيان الأسري)، كما أشرفت على ما يربو على تسع عشرة رسالة علمية، وناقشت ست رسائل، كذلك قامت بتدريس تسعة عشر مقرراً، وكانت في تدريسها مجددة غير مقلدة، حيث عملت جادة على تنقية الشوائب المترسبة في نظريات علم النفس الغربي، وتصحيح المغلوط منها بما تمتلكه من روح إسلامية وسطية.

وكما كانت ليلى بارة بدينها وعلمها، كانت كذلك بارة بوالديها، إذ كرّست وقتها لإخراج ما جمعه والدها المثقف الأديب من أقوال العلماء والمفكرين والسياسيين، حيث كان يستكتبهم في الشأن العالمي للمسلمين، ويجمع ما مروا به من تجارب، وما ذكروه من نصائح وتوجيهات وخواطر خلال تسعة وعشرين عاماً، فقامت ابنته ليلى بجمعها وترتيبها وإصدارها في كتاب بعنوان: (وصايا أساطين الدين والأدب والسياسة للشبان)، وأتمنى على أسرتها الكريمة أن تحذو حذوها وتقوم بجمع نتاجها العلمي من أبحاث منشورة أو مقبولة للنشر، أو ما لم ينشر، وتصنيفها وترتيبها وإصدارها في كتب عدة كصدقة جارية لها فتكون لها علماً ينتفع به.

وأكرر عزائي لجامعة أم القرى في فقدان مثل هذه المربية الفاضلة التي أخرجت أجيالاً تتحلى بالأخلاق الفاضلة، وتتسلح بسلاح العلم والإيمان.

وأدعو الله أن ينزل على قلب إخوانها وأخواتها ومحبيها الصبر والسلوان، وأن يغفر لها ولوالديها ويجمعها بهم في فسيح جناته آمين.

المدينة 1432/5/22هـ