تكريم العالم المكي الموسوعي

كلما جلست إلى عالمنا المكي الشهير الاستاذ عبدالوهاب ابراهيم ابو سليمان ادركت اني اجالس عالماً من الرعيل الأول سلف الامة، الذين غايتهم ان يحصلوا العلم من مصادره الموثوق بها رواية ودراية، وان يلموا بكل اطرافه، وان يعلموه للخلق كما تلقوه، في اوضح بيان وانصع اسلوب، تأثيره على المتلقين يأتي بنتائج باهرة، ومصدر هذا اخلاص تدركه من لفظه ولحظه، جمع فأوعى، وانصف من الاخلاق ما به رقى، ليكون الانبل بين المتحلقين بجل الفضائل، وهو في التسامح رمز لطلاب العلم كبارهم، ومن لا يزال في اول الطريق منهم، يقتدون به، وهو من اشهر من التزم النزاهة عند الاختلاف، يذكر الصواب ولا يهمه ذكر من اخطأ، ما عد يوماً محاوراً له في مسألة خصماً، فما يرشح من إنائه الا ما يروي عطش الباحث عن المعرفة، مع ما يزكو به الاثر من لفظ راق واسلوب امثل، تخرج به الكلمة من القلب لتستقر في القلب، عالمنا المكي تخرج في ذات الكلية (كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بمكة التي تخرج منها الكثيرون قبله وبعده، ولكنه بينهم النجم الذي به يهدتى، ثم التحق بالدراسات العليا في افضل جامعات بريطانيا، جمع في التحصيل العلمي بين العلم الشرعي في الفقه واصوله وبين القانون، فلم يكتف ان يكون تخصصه العام مرتبطاً به (الفقه المقارن) فسعى للحصول على دبلوم فيه، تتلمذ على علماء أئمة في الحرم المكي الشريف، لكنه اختص بملازمة احدهم شيخنا العلامة حسن محمد المشاط، المدرس بالحرم الشريف والمحدث والفقيه والقاضي، والذي جدد استاذنا عبدالوهاب علومه الشرعية والعربية به، فامتاز بذلك على مجايليه، يوم ان كان الحرم جامعاً وجامعة، كما اعد استاذنا بذلك دراساته بعنوان (الحرم الشريف الجامع والجامعة) واهمه امر الحرمين الشريفين فكان كتابه “الحرمان الشريفان وجامع الزيتونة” ومن اهتمامه بهما الرائق والرائع ان حقق مع زميله ورفيق دربه العلمي الاستاذ الدكتور محمد ابراهيم على كتاب “الجواهر الحسان في من لاقيته من الاعيان” للعلامة الفقيه الشيخ زكريا بن الشيخ عبدالله بيلا - رحمه الله- واهتم بمكتبة مكة المكرمة المكتبة والموضع (المولد)، مجموعاتها وادواتها، ثم ابرز تراث العلماء والادباء الوراقين بمكة، ونال جائزة افضل كتاب عندما ألف كتابه باب السلام ودور مكتباته في النهضة العلمية والادبية الحديثة، وتتعدد انشطة هذا العالم المكي الموسوعي فله في تخصصه الاصلي ما لا يحصيه الحصر في التحقيق، والبحث لحل مشكلات العصر، فقد حقق مجلة الاحكام الشرعية على مذهب الامام احمد مع زميله الدكتور محمد ابراهيم علي رحمه الله، وهي اول محاولة لتقنين الاحكام الفقهية من عالم جليل هو احمد بن عبدالله القاري، ولأستاذنا بحث رائع عن ترتيب موضوعات الفقه الاسلامي، ومناسباته في المذاهب الاربعة، ومن موضوعات دراساته الفقهية المعاصرة: “عقد الاجارة مصدر من مصادر التمويل الاسلامية”، واخرى عن البطاقات البنكية، وثالثة عن فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة، ثم دراسة عن الضرورة والحاجة واثرها في التشريع الاسلامي، وكتاب عن الفكر الاصولي عبر دراسة تحليلية نقدية، واسبق كتبه هو كتاب البحث العلمي ومناهجه، والذي تعددت طبعاته مع الاضافة اليه مرة عبر صياغة جديدة، واخرى عبر اضافة مصادر الدراسات القرآنية ودراسات السنة النبوية، ثم العقيدة الاسلامية، واخرى يضاف اليها مصادر الدراسات العربية والتاريخية، ثم كتابه ذا الاثر الكبير “الدليل الى كتابة البحوث الجامعية ورسائل الدكتوراة” ثم منهج الفقه الاسلامي، خصائصه ونقائصه، ثم كتاب عن منهجية الامام الشافعي في الفقه واصوله، ثم حقق كتاب “الجواهر الثمينة في بيان ادلة عالم المدينة” للشيخ العلامة حسن محمد المشاط -رحمه الله- واما ابحاثه المنشورة في مجلات علمية فلا يحصيها الحصر، منها ما تعلق بالفقه، مشاكله ووسائل تطوره، وواقع التشريع به في القرن الرابع عشر الهجري، ودور الفضل في الفقه الاسلامي، وكلها تلتف الى حاجات المسلمين في هذا العصر، وتتبع لهم فقه نوازل في ما استجد في حياتهم، ولعل من اشهرها رسالته (توسعة المسعى عزيمة لا رخصة)، اما اذا نظرت الى خبراته العلمية التربوية فأنت ستحتار ما الذي تختاره لتعرضه في مثل هذه العجالة، كذا دوره المؤثر في تطور التعليم الجامعي في بلادنا، ومحاضراته في الجامعات العالمية في شرقنا المسلم وفي الغرب تعرف بنا وتنقل عنا اجمل صورة، اما المؤتمرات والندوات التي حضرها وقدم لها اوراقه ومناقشاته فلا نستطيع حصرها، الا ان اردنا ان نؤلف في سيرته الذاتية كتاباً، وهو حتماً الاحق بذلك، وكذا عضويته في المجالس العلمية داخل البلاد كعضويته لهيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية، وخارجها، وحينما يكرم اليوم في المهرجان الوطني للتراث والثقافة فانما يشير الى قامة شامخة متعددة المواهب، خدمت العلم في هذا الوطن باخلاص، وسعت دوماً لخير الوطن واهله، اسأل الله له التوفيق دوماً فهو ما نرجوه والله ولي التوفيق.

المدينة 1432/5/12هـ