ورحل أبو غنوه إلى جنة الخلد.. إن شاء الله تعالى
نعم رحل رجل من رجالات الادب والثقافة والاعلام.. رحل المفكر المبدع والصحفي المتألق .. عاشق جدة وتراثها.. رحل الاخ والصديق محمد صادق دياب الى جوار ربه الكريم، رحل بعد رحلة مضنية مع المرض لم تمهله طويلاً، بينما كان أهله وأصدقاؤه وجيرانه ومحبوه ينتظرون عودته من مدينة الضباب بفارغ الصبر، ويرفعون أكف الضراعة الى الله سبحانه وتعالى بأن يشفيه ويعيده سالماً غانماً الى أرض الوطن ليعيد لساحته الثقافية والاعلامية بهجتها ورونقها واصالتها.
ولكنها ارادة الله فقد اختاره الى جواره الكريم.. اراد له الشهادة بأن يموت غريباً خارج وطنه بعد ان داهمه الداء العضال فتركه سيرة مخلدة في سجل تاريخ العظماء.
لقد عرفته من خلال رحلة الصداقة والوفاء الى امريكا للدراسة مع زوجي ابي اياد عدنان محمد امين كاتب فقد كان الرجلان رفيقي درب اثناء دراستهما في كلية التربية بمكة المكرمة اولاً، ثم في رحلتهما لدراسة الماجستير في الولايات المتحدة وتخرجهما في سنة واحدة من جامعة وسكانسن ملواكي تخصص علم النفس التربوي، وما اروع تلك الصدف والاقدار الالهية التي جمعتنا به وباسرته لمواجهة وحشة الغربة في ظلال علاقة أخوية نادرة.
ودياب ــ رحمه الله ــ لمن لا يعرفه رجل مفكر وفيلسوف حكيم من الطراز الاول يغوص في جوانب فلسفية متنوعة تصب في كنه الانسان وسمو الروح، ولعل دراسته لعلم النفس قد ساعدت على تفتيق قدراته الذهنية حتى ارتقت به الى مستوى الفلاسفة وعمالقة الفكر والرأي، وهو الاديب الذي كتب في معشوقته (جدة) سطور الغرام والهيام.. ووصفها بشتى اوصاف الجمال والكمال.
انها جدة التي ولد وترعرع فيها ونشأ في أعتق حاراتها وهي (حارة المظلوم) فكان لا يفتأ يتغنى بها وبأزقتها الضيقة ورواشينها القديمة.. ففي كل ركن من اركانها كانت له ذكرى، وفي كل زقاق من أزقتها كانت له حكاية، فهو ابن الصياد صادق دياب رحمهما الله، ذلك الصياد المثابر القنوع الذي كان يحمل صنارته كل يوم بقاربه القديم ليصول ويجول على صفحات الموج بجدة يسترزق من خيراته قوته وقوت عياله، وهكذا غرس هذا الرجل المكافح القناعة والرضا في نفوس ابنائه، وظل ابو غنوة مفتخراً ببساطة هذه الحياة التي عاشها واللقمة الحلال التي كان يطعم منها هو واخوانه.
آثر الولاء لصاحبة الجلالة (الصحافة) وارتمى في احضانها مجاهداً مناضلاً مصلحاً اجتماعياً مع انه يعرف تماماً ان هذه المهنة لا تؤكل عيشا كما كان يحلو له ان يعلن ذلك دائماً في احاديثه ومجالسه، لكنه الانتماء الداخلي الصادق والشغف الجارف الذي جعله يرى نفسه فيها، وحياته في رحابها بروح عالية تتسم بالقناعة والرضا، ولم يكن يهدف الى الحصول على مال او جاه، مع انه لو اراد ركوب موجة الغنى والثروة لاستطاع كما فعل ذلك كثيرون غيره ولكن عزة نفسه وكبرياءه ورضاه بما قسم الله له كان كنزه الثمين في هذه الحياة.
وبهذه الروح العالية اكتسب سيرة اعلامية حافلة امتدت لأكثر من خمسين عاماً قضاها في محطات اعلامية متنوعة وعديدة، فهو كاتب متألق في صحف كثيرة كالبلاد والمدينة واخيراً صحيفة الشرق الاوسط، كما كان رئيساً لتحرير مجلة اقرأ ومجلة الجديدة واخيراً مجلة (الحج والعمرة) وله مؤلفات عديدة ومدونة على الانترنت زاخرة بأعماله وابداعاته.
انه ابو البنات وهو يفتخر بذلك دائماً ويحمد الله عليه.. ولعل آخر مقالة كتبها كانت في هذا الموضوع وكأنه احس ان نهايته قد قربت.
حقاً انك لم تمت با ابا غنوه ولكنك رحلت الى دار الحق، وستظل في قلوب اهلك ومحبيك نبضاً خفاقاً وشمعة مضيئة يبعث قبسها الحب والوفاء لك في قلوب الجميع، فقد كنت خير زوج، وافضل اب واوفى اخ واصدق صديق لكل من عرفوك.
ولا بأس عليك انت يا اختي خيرية بخاري ايتها الزوج المطيعة العاشقة الوالهة بزوجها لا بأس عليك، وابشري فهو ــ بإذن الله تعالى ــ في جنة الخلد، ولتكن غنوة وسوسن وسماح وابناؤهن حديقة حياتك الغناء الموصلة له الى الجنة . لا تبكي لانني متأكدة ان انهار دموعك لن تطفىء الا شيئاً يسيراً من حرقة الالم التي في نفسك.. ولكن تمسكي بحبل الله وتجرعي كأس الصبر واحتسبي الأجر، فحتماً ان هناك لقاء أخرويا سرمديا.. فالمرء مع من احب في الجنة إن شاء الله تعالى، ووالله اننا نحبكم في الله.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
الندوة 1432/5/8هـ