ابنك البار رحل ياجدة

في فجر هذا اليوم سيصل محمد صادق دياب إلى مطار جدة، سيصل ليس ككل مرة، حيث تحتضنه محبوبته جدة بمجرد نزول قدميه من سلم الطائرة وتخفيه بين الحنايا فرحا به كابن تغيب لبعض الوقت على أم لا تقوى على الفراق، فيبادلها شوقا بشوق .. وينغمس في جهاتها الأربع فكل شبر بها يعرفه، يعرف طلته وحنوه على حجارها وشجرها وبيوتها وناسها ..

لجدة أبناء كثر إلا أن محمد صادق دياب ابنها الأثير، وهو الذي تفاخرت به في كل مكان، وتقدمه ليعرف بها لمن لا يعرفها، سكنت به وسكن بها، متلازمان كعاشقين اتفقا أن لا ينفصلا، يسافر وهو يحملها، ويقيم وهو ينبض بها وحين مضغه المرض رحل للتطبب فطالت غيبته لم يشأ أن تقطف روحه بعيدا عنها وعندما حدث ذلك لم يقو على البعد عن مدينته، فعاد إليها جثة هامدة لتكون مأواه الأخير.. وليودع أصدقاءه من أشهر نقطة عرفت بها جدة وسميت بها ..
سيعود في فجر هذا اليوم جسدا، جثمانا، ليزرع خلاياه في تربة محبوبته، وستحتضنه جدة، ستحتضنه جسدا باردا وتضمه إلى لجة التراب الذي أحبه، ستطمئن أنه بجوفها ولن يغادرها بعد الآن ليشتاق إليها أو تشتاق إليه.. ضم بعضهما والتقيا لقاء أبديا، ونسي أننا سنشتاق إليه، سنشتاق لطلته، وضحكته، وطيبته، وعمقه، وحنوه، ودماثة خلقه.. سنشتاق لكل شيء فيه..
فهو راية جدة التي تخفق فيها وعليها وبها..

هكذا رحل محمد رغم الوصايا العديدة التي انطلقت من أفواه أصدقائه بأن لايرحل.. لكنه الرحيل الذي لا يقوى أي منا على التأخر عنه..

في ظهر هذا اليوم ومن مسجد الجفالي سيكون آخر المطاف، وهو الذي أدمن الطواف بشوارع جدة وأزقتها ودروبها، هذه المرة لن يترجل من سيارته ليدس جسده بين أزقة حارة الهنداوية أو يشم أريج حارة البحر قبل أن يدلف إليها أو يستوقفك ليحدد حدود حارة الشام أو يمسك بيدك في برحات البلد وهو يشير إلى بيوتاتها العريقة أو يقف بين منحنيات حارة المظلوم ليصحح خطأ تاريخيا عنها، لن نرى مرة أخرى محمد صادق دياب وهو يشير إلى رواشين جدة ومشربياتها وفوانيسها ومراكيزها.. سيرحل ظهر اليوم محمولا على الأكتاف نحو مقبرة أمنا حواء مودعا الجميع ويسترخي في رحم محبوبته إلى الأبد..

يا أرحم الرحمين عبدك محمد صادق دياب نزل ضيفا عليك في هذا الحر القائض، ولو نزل على كريم لأكرمه، فكيف بك وأنت أكرم الأكرمين.

عكاظ 1432/5/6هـ