الحارة تودع عمدتها!
آخر ما كنت أتوقعه في معرض الرياض للكتاب قبل أسابيع أن أقابل صديقي محمد صادق دياب، فعندما وقفت أمام أرفف إحدى دور النشر فوجئت بكتاب جديد يحمل اسمه، فخيل لي من فرحي أنني أرى أبا غنوة بلحمه وشحمه وروحه العذبة متجسدا أمامي.
أمسكت بالكتاب في يد و بالجوال في اليد الأخرى وبعثت له برسالة تتسابق أصابعي على طباعة أحرفها: «العزيز أبا غنوة كم أسعدني أن تكون معي هذه الليلة في معرض الكتاب بالرياض، لكنك لم توقع لي الكتاب» ، خلال ثوان جاءني جواب منه يقطر عذوبة ورقة يلامس الأحاسيس والمشاعر، وأي شيء يجيده أبو غنوة أكثر من ملامسة الأحاسيس والمشاعر.
قبل مرضه بأشهر عرضت عليه فكرة مشروع ثقافي نعمل على تأسيسه مع بعض الزملاء فقال بلا تردد أنا معكم قلبا وروحا، وعندما باغته المرض استودعنا ثقته الكاملة في السير بخطوات إنجاز المشروع الذي سيرى النور قريبا وسيكون لمحمد صادق دياب حضوره الدائم كعضو مؤسس فيه.
كم هو مؤلم فراق الأحبة خاصة عندما تدرك أنك لن تعود ترى وجوههم أو تسمع أصواتهم مرة أخرى، صحيح أن الذكرى تبقى حية في النفوس والمحبة تبقى شعلة في القلوب لكن مثل هذه الذكرى هي ما يزيد ألم الفراق ولوعة الفقد، خاصة عندما يكون الفقيد شخصا تلاقت فيه كل صفات النبل والرقي والعذوبة والوفاء كأبي غنوة.
في كل مرة كنت أزور فيها جدة كان يصر على أن يصطحبني بسيارته ليعرفني على جدة، وعبثا أحاول أن أفهمه أنني كنت من سكان جدة وأعرف كل شبر فيها، فهو على قناعة أن لا أحد يعرف جدة كما عرفها ولا أحد يرى زواياها كما رآها، وقد صدق والله فقد عرفني على جدة غير التي أعرفها.
سأبقى أتذكر دائما تلك اللحظة التي شارفنا فيها على مكة المكرمة، وكان يستعرض فيها مسيرته الصحفية فتهجد صوته وهو يحاول أن يتسلح بروح مداعبته التي لا تفارقه: «أرجو أن تكون رئاسة تحرير مجلة الحج حسن خاتمة عملي الصحفي».
عزاؤنا يا أبا غنوة أن رحمة الله واسعة وأن وعده حق لكل من ابتلاه بمرض أو أذى أن يجعله تكفيرا وتطهيرا من الذنوب، ستبقى حيا في ذاكرة محبيك الذين أحطتهم بدفء مشاعرك في الحلوة والمرة، وستبقى حيا في وجدان مدينتك التي احتضنتها في حياتك واحتضنتك في مماتك.
اذرفي الدمع يا جدة فعميد الحارة قد مات.
عكاظ 1432/5/6هـ