المكيون فوق التقليعات والسطو

(تأجير ظلال الأشجار... أحدث تقليعات الحج!) عنوان خبر طالعتنا به إحدى صحفنا المحلية يوم انتهاء الحجاج من نسكهم، وتحت العنوان اتهامات، قصد منها ـ في رأيي ـ إدخال روح الفكاهة على القراء في عيدهم؛ جاء فيها أن مواسم الحج لا تخلو من تقليعات جديدة يسنها في كل عام عدد من (أهالي مكة المكرمة). ووصف الخبر (المكيين) بأنهم "ما فتئوا يتفننون في ابتكار أساليب جديدة تمكنهم من استثمار المواسم الدينية للحصول على أكبر غلة من المال!". ومضى الخبر يقول "أبرز المعنيين بالشأن الاقتصادي في أوساط الحجيج لم يتخيل إطلاقاً، أن نزراً من المكيين سيعمدون إلى السطو على الأشجار بغية تأجير ظلالها إلى ضيوف الرحمن.."، وأضاف الخبر أن الناس يضحكون ويبكون من هذه التقليعة التي قام بها مجهولون، وأن ذلك ما كان ليكون لولا أنهم ـ نزرا من المكيين ـ تغانموا انشغال أعين الرقابة "بمتابعة أمور وقضايا أكثر أهمية". أبدأ من حيث انتهى إليه نقلي؛ (أعين الرقابة مشغولة)، لأقول إن هذه الصياغة لا تواكب مطلقا الجهود الجبارة التي يعلم بها القاصي والداني، وإنها إلغاء (مستغرب) للإيجابيات العديدة التي قام ويقوم بها المسؤولون في بلادنا، والذين لم يتوانوا عن بذل كل ما بوسعهم لخدمة ضيوف الرحمن.

أما أهل مكة فمع تسخير الله لهم منذ الأزل لخدمة الحجيج عبر السدانة (الحجابة)، والرفادة (الوفادة)، واللواء (القيادة)، والسقاية، ودار الندوة، فإنهم اليوم متحملون جشع المنخرطين بينهم، وصابرون على من يحاول منعهم من الرزق الذي تكفل لهم به ربهم على لسان خليله سيدنا إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ :"ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون". الحج (كان) فرصة رزق مربحة، قدرها الاقتصاديون ـ يوما ما ـ بنحو 20 مليارا، واليوم نرى الجمعيات الخيرية قد جاءت من (داخل البلاد وخارجها) بأكثر من 7 ملايين وجبة جافة، و700 ألف وجبة ساخنة، علاوة على الفواكه والمياه والمرطبات، وقامت بنثرها نثرا على الحجاج الذين يشترط عليهم عدم الحج، إلا وهم مستطيعون ماديا ومعنويا، ـ "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" ـ فحرمت المكيين من مصدر رزقهم، الذي حلله الله لهم. وليت هذه الجمعيات تؤمن ما توزعه من أسواق مكة في الدرجة الأولى، ومن بقية أسواق الوطن، وتقدم ما هو مصنع محليا.

الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل وجدنا أيضا من يبذل جهده في بيان جواز ذبح فدية الحاج خارج مكة، ويفسر قول الله تعالى: ".. هديا بالغ الكعبة.."، بأن الفدو يكون حيث شاء الحاج، مع أن المفسرين قالوا إن فائدة فعل ذلك بمكة هو (الرفق بمساكين جيران بيته). ومع معرفتي بتفاصيل الأقوال المجيزة لذلك، أقول ليت من جوز الذبح بغير مكة، أو أجاز نقل المذبوح بها لخارجها وضع شرطا لذلك هو التأكد من سد حاجة مساكين أهل مكة، وليس مجرد البدء بهم.

مكة المكرمة اليوم فرصة استثمارية مربحة لغير المكيين بالدرجة الأولى، ثم للمكيين، وليتنا نلزم من استفاد منها أن يعود عليها بجزء مما ربحه منها، ونلزمه بخلق فرص عمل فيها، فما نشاهده اليوم هو أن الناس تربح من مكة، وتطير بأرزاقها خارجها، بل خارج المملكة، بلا حمد ولا شكور.

الوطن 21/12/1431هـ