وجوب التأدب مع أهالي مكة المكرمة

«لا تخلو مواسم (الصيف) من تقليعات جديدة يسنّها في كل عام عدد من أهالي (الباحة)، الذين ما فتئوا يتفننون في ابتكار أساليب جديدة تمكنهم من استثمار المواسم (السياحية) للحصول على أكبر غلة من المال!. ولعل أبرز المعنيين بالشأن الاقتصادي في أوساط (السيّاح) لم يتخيل إطلاقًا، أن نزرًا من (أهالي الباحة) سيعمدون إلى السطو على الأشجار بغية تأجير ظلالها إلى (ضيوف الباحة) بمنأى عن أعين الرقابة، المشغولة حاليًا بمتابعة أمور وقضايا أكثر أهمية». الفقرتان السابقتان هما جزء من خبر (ضعيف) نُشر الخميس 18 نوفمبر 2010م الموافق 12 الحجة 1431ه بصحيفة الحياة تحت عنوان: تأجير ظلال الأشجار... أحدث تقليعات الحج! وما بين قوسين كلمات بديلة على التوالي عن: الحج، مكة المكرمة، الدينية، الحجيج، المكيين، ضيوف الرحمن.

ولقد عمدت إلى نقل الفقرتين نصًا مع استبدال الكلمات المشار إليها، وأرجو من القراء الكرام استبدال الكلمات بين قوسين بكلمات تنطبق على مدنهم ليشعروا بمدى التجاوز في الحديث بهذا الشكل عن أهالي المدن عمومًا، وبشكل خاص عن أهالي مكة المكرمة الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى لجواره، ووصفهم رسوله صلى الله عليه وسلم بأنهم أهل الله وخاصته. وضعف الخبر يأتي من محاولة إقناع القارئ بأن مثل ما جاء به الخبر يمكن تصديقه، حيث يقول كاتب الخبر: “ويمكن القول إن الجائل في شعاب مكة المكرمة وطرقاتها سيحتار أيضحك أم يبكي! بعد أن بات التنعم بفيء أشجار الحرم من دون مقابل مادي ضربًا من ضروب المستحيل، عقب استيلاء مجهولين على غالبية مصادر الظلال، ووضعهم لافتات تستجدي الراغبين في النعيم بفيئها من قيظ شمس العاصمة المقدسة الحارقة إلى استئجارها منهم» انتهى. ألا يعلم صاحب الخبر أن هناك أكثر من 140 ألف رجل أمن ينتشرون في شعاب مكة المكرمة وطرقاتها، يسهرون على راحة وأمن الحجيج؟!! وآلاف آخرون من مراقبي وعمّال البلديات والمعنيين بنظافة ومراقبة الحدائق؟!! وبرغم ذلك يظن صاحب الخبر أن هناك من سيصدق قوله «باستيلاء مجهولين على غالبية مصادر الظلال» فأي نوع من التجني والافتراء هذا؟!

وإن كنت ممن يتفهّم سعي الصحافة إلى الإثارة، إلاّ أن ذلك يجب ألا يتخطى حدود المصداقية، وألا يتجاوز حقوق الناس وسمعتهم، ولذلك كنا نتمنى من تحرير صحيفة مرموقة مثل صحيفة الحياة التدقيق في مثل هذا الخبر وعدم السماح بنشره لأن مثل هذه الاخبار لا تصمد أمام عقول القراء، خصوصًا أن الصحيفة مقروءة خارج حدود الوطن، وفي الخبر ما يسيء لسمعة مكة المكرمة وسمعة المملكة. في المقابل، فقد شاركت قبيل الحج في برنامج البينة الذي تبثه قناة اقرأ مساء كل خميس، في حلقة عنوانها (أهل مكة والحجيج الحقوق والواجبات)، وكان الضيف الرئيس في الحلقة هو الأستاذ عبدالله الفائز عضو مجلس الشورى ووكيل إمارة مكة المكرمة السابق، فعندما استخدم مقدم الحلقة كلمة سوء الخلق في حديثه عن بعض أهل مكة، جاءه الرد السريع بأن هذا لا يليق ولا يصح أن يتم التحدث عن أهالي مكة بهذا الأسلوب، وعندما اعتذر بأنه قال (بعض) أهل مكة، جاءه التأكيد بأنه حتى الحديث عن البعض لا يليق، وهذا ما جعل المقدم يقدم اعتذاره لأهالي مكة في نهاية الحلقة. أهل مكة المكرمة هم بشر وليسوا معصومين، وهم في ذلك مثل أهل أي مدينة -وإن كان الله قد اصطفاهم إلى جواره، ونعّمهم بواسع فضله-، ولكن لهم مثلما لأهالي المدن الأخرى حرمة ويجب ألا يُسمح لأحد بالتعدي عليها. فلا يصح أن تنشر أي وسيلة إعلامية نقدًا يطال أهالي مدينة ما، كأن يتم اتهام أو نقد أهالي مدينة الرياض مثلًا، أو جدة، أو الدمام، أو أبها، أو الباحة. وغيرها من المدن. علينا أن نتذكّر أنه يفد إلى مكة المكرمة شرّفها الله في مواسم الحج والعمرة من هم من غير أهلها، وفي موسم الحج يكون عدد من يفد إليها من غير أهلها أكبر من عدد أهلها، وكثيرًا ما تُنسب التصرفات السلبية التي تصدر عن قلة منهم لأهالي مكة وهم منها براء. وعلينا أيضًا أن نتذكّر أنه كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بإكرام ضيوف الرحمن وهم الحجاج والعمّار، فقد أوصى بأهل الرحمن وهم أهل مكة المكرمة. والله الهادي إلى سواء السبيل.

المدينة 21/12/1431هـ