ارحمنا يا أرحم الراحمين

الخبر الذي خرج من الديوان الملكي كان شفافا، إلا أنه أشعل مشاعر المواطنين على مليكهم الذي أحبوه، والحب لا يحتاج إلى مراسيم كي يتفاعل.. فبمجرد انتقال الخبر تناقله الناس فزعا على ملك بذر حبه من وقت مبكر، فهو الملك الذي يسعى إليك قبل أن تسعى إليه، يتلمس حوائج المواطنين ويعترف بأنينهم ويسعى لانتزاع ما ينغص حياتهم.

أحب شعبه فأحبوه، هذا الحب تجلى في كل القرارات السابقة التي أصدرها والتي تقف مع المواطن قبل المسؤول وأعمق هذه المسؤولية بحث الوزراء على إنجاز وتسهيل حياة المواطنين، وزاد على ذلك ببراءته أمام الله عما يفعله بعض المسؤولين مع الناس.

هو ملك مغروس بقلوب الناس، هذا الحب الذي أغدقه على مواطنيه وغير مواطنيه تجلى واضحا بمجرد سماع خبر الوعكة التي ألمت به (حفظه الله)، ولأننا نعيش يوما عظيما فليكن للملك نصيب منه في الدعاء.

فنحن نقف اليوم في المحفل العظيم؛ يوم تغسل فيه أبدان عباد الله من درنها، وتعود ناصعة البياض، كصفحات كتاب لم يلوثه مداد الخطايا، يوم يتجلى فيه الحي القيوم مخاطبا عباده الذين جاؤوه شعثا غبرا يطلبون رضاه بقوله: يا عبادي قد غفرت لكم، سابغا على من جاء من كل فج عميق عفوه وكرمه.

هذا التجمع العظيم تكون فيه كل القلوب خاضعة متبتلة لا يعلو فيها غني على الفقير أو أبيض على أسود، الكل باسط يديه، طالب جود رب العباد.

ولا أحد يعرف من تقبل منه ومن لم يتقبل، إلا أن جموع الحجيج يحمل بعضها بعضا، وفي هذا السياق هناك حكايات ترغيبية جميلة تمر بنا لتذكرنا أن هناك أناسا بيننا ولا نعرفهم وأنهم لو دعوا الله لأجابهم، ولأننا نعيش أياما مباركة فقد هلت على ذاكرتي إحدى تلك الحكايات التي سمعتها منذ زمن، وتحكي عن أحد الأئمة (الكبار) كان حاجا وبينما توجه الحجيج للوقوف على جبل عرفة راغبين في أن يتقدمهم الإمام داعيا ومتذرعا ربه وطالبا منه قبول حج الحجيج، فاستجاب لهم، وأخذ في التذرع لله، رافعا يديه باكيا داعيا طوال النهار، وقبل النفور من عرفة بقليل، أخذ النعاس بعين الإمام، فنام (وفي منامه) سمع هاتفا يصيح به: لقد غفر الله لجميع الحجاج بسبب هذا، وأشار لحاج رث الثياب أشعث الشعر، فاستيقظ الإمام من نومه فرحا، ومبشرا بقبول حج الحجيج، ومع النفرة، حدث زحام شديد، فبينما الإمام يحاول تخليص نفسه من الزحام وإبعاد المتجمهرين حوله، لكز حاجا يجاوره فألمه، فقال الحاج للإمام أتلكزني وأنا من كنت سببا في قبول حج كل هؤلاء الحجيج!!

هذه الحكاية (وإن لم تحمل جزالتها) أوردتها تذكيرا بأن هناك أناسا قريبين من المولى عز وجل، فالله لا ينظر إلى الصور أو الثياب أو إلى شخص بعينه عرف بين الناس بصلاحه دون سواه، فهناك هبات من الله لبعض خلقه فلا يحرمنا الله فضلهم..

ولأن عيوننا وأسماعنا تعلقت بمن نظن بصلاحه دون سواه، بينما نهمل ونحتقر أناسا نصمهم بالجهلاء أو نعدهم من النكرات ربما يكونون أقرب إلى الله ممن هم ملء السمع والبصر، وهذه عظمة العبادات حين تخلط علية القوم بعامتهم لا تميز بين منصب أو جاه أو مال.

وفي هذا السياق، حكاية لعالم من علماء الأمة احتقر أعرابيا لجهله وهيئته الرثة فقال له: يا أخ العرب، أو تعرف تدعو الله. فقال الأعرابي: نعم. فقال له العالم: اسمعني. فقال الأعرابي: اللهم لم نسألك الإسلام ووهبته لنا، فهبنا الجنة ونحن نسألك إياها..

واليوم يقف كل الحجيج في صعيد عرفة، ملبين، متذرعين، خائفين، فيا رب أجب دعاء عبيدك الذين خرجوا من كل فج عميق طلبا لمغفرتك وعفوك، ويا أكرم الأكرمين لا تحرمنا (يا الله) فضلك ونحن القاعدون هنا نحمل أوزارنا ملتهين عن فيض جودك.. يارب العالمين.

عكاظ 9/12/1431هـ