أيها المكيون .. كلمة عتاب

مكة المكرمة أم القرى، كانت ولا تزال كذلك، وهي بالإضافة إلى عراقتها القديمة جدا سيدة الحواضر و «ست المدن أيضا». عرفت مكة منذ القديم جدا دار الندوة، وعبارة دار الندوة كما أتخيلها البرلمان المكي، وربما كان لهذا البرلمان أفكار وورقة عمل بآليات لا تقل نباهة ولا ذكاء عن البرلمان اليماني القديم بطابعه الملكي إبان عهد الملكة بلقيس. كان أهل مكة يتشاورون ويتخذون القرار... وكذلك عرفت مكة المكرمة التي أقام فيها سيدنا إبراهيم عليه السلام منذ القدم أول بيت للناس الذي هو ببكة، هجرة الكثير من القبائل، وكان لمكة شيوخ وسادة وكبارات وملوك أيضا وهذا معناه أنه توافرت لها الهيبة، هذا عدا المال والمنعة والحظوة لدى القبائل ولبعض من ذلك كله فقد كانت عاصمة اقتصاد ودين ومركز حوار وموقعا تتخذ من خلاله قريش صناعة القرار القائم على الأمن بمنعة ووفرة الرزق الآتي من التجارة البينية بين قريش والشام وبين قريش واليمن وكذلك تاجر أهالي مكة أيضا مع اليهود والنصارى وظهر بينهم في الأزمنة الأولى مثقفون يقرؤون الكتاب ويعرفون الآرامية أيضا وما ورقة ابن نوفل عم خديجة زوج النبي إلا مثال من بين كثيرين جاؤوا بحكمة ربما تتجاوز بلاغة الرومان
وقتئذ.. تكلموا وأذهلوا الناس.

ما جاع أهل مكة في الجاهلية ولا في الإسلام، وهم أول من طبع النقد العربي إبان الوجود الأموي في الشام وعربوا الدواوين. كانوا شباعا ومتحضرين وفاهمين وأصحاب فكر ولهم ناد يمس الشأن العام. هكذا كانوا في عصور قديمة وما بعد أيضا.. لقد كانوا ناجحين دوما وأذكياء وبقدر ذكائهم أضحوا رائعين جدا وإلا كيف بالله وصل بنو مخزوم إلى الأندلس فرارا من بغداد مجتازين الغرق، وأقاموا فيها حكما لثمانية قرون متواليات.

وإنه ليحزنني أن أقرأ اليوم ومن قبل أيضا عن مشكلات بعض مؤسسات مكة رياضيا وصحافيا، إذ يعتريها الوهن، وتضيع فرص كثيرة لإيجاد الحلول.

كانت جريدة الندوة مصدر رهان ذات مرة بين المكيين أنفسهم:- هل تقوم أو لا تقوم وهل تتمكن من المنافسة في سوق الصحافة أو لا تتمكن.. وكذلك أيضا نادي الوحدة الذي يفترض فيه اختراق الأندية هو ذا يرواح مكانه. لقد طالني الخجل ذات مرة فيما كنت أقرأ عبارة أجواد الفاسي بعد ترشيحه نائبا لرئيس هيئة أعضاء شرف نادي الوحدة وهو يتحدث إلى العزيزة «عكاظ» عن الشأن الرياضي في مكة قائلا: «القرش ضائع في الوحدة».

تلك عبارة مكية حكيمة والواقع لا يمكنك إقناع أحد أبناء مكة بالاندفاع معك وإليك للرهان على شيء يستطيع من خلال بعد نظره اكتشافه ومحاسبته قبل التورط فيه.. ولكن كما كانت دوما وأبدا تلك الروح المكية تتمتع نقاء، وتفيض بذكاء وبفكر... أتمنى من الله أن تجد كل المؤسسات المكية رياضيا وصحافيا حظا وافرا من النجاح بحيث تتمكن من البقاء ضد أية ظروف تعمل من أجل دفعها إلى الوراء..

أيها المكيون لقد غيرتم التاريخ فعلا وعملتم في العالم ما لا تستطع إنجازه العفاريت، فبالله عليكم كيف تقفون الآن مكتوفي الأيدي وحائرين أمام مؤسستين إحداهما ناد للكورة وأخرى للكتابة حبرا بالأقلام.
وهذه كلمة عتاب لا أكثر ولا أقل.

عكاظ 1/12/1431هـ