مخطط عام: نسمع عنه ولا نراه !!

منذ نصف قرن تقريبا وأهالي مكة المكرمة والمهتمون بأمور الاستثمار والتخطيط يسمعون عن وجود مخطط عام للمدينة المقدسة تم وضعه وسينفذ قريبا أو أن المخطط تحت الدراسة من قبل الجهة المختصة، وقد يصاحب تلك الأقاويل أو الأخبار المنشورة في الصحف المحلية حديث عن الملامح العامة للمخطط المزعوم وكيف أنه سيغير ملامح أم القرى ويحولها إلى مدينة حديثة ذات مرافق وشوارع وميادين وحدائق وأسواق ووسائل نقل وغيرها من الأمور الواجب توفرها في أي مخطط عام لمدينة حديثة. وبالنسبة لجيلي فإن أول ما طرق سمعي عن حكاية المخطط المزعوم أنه قد أسند إلى شركة ذات أصول إنجليزية اسمها «واطسون»، وكان ذلك في بداية عهد الأمين الأسبق للعاصمة المقدسة الأستاذ عبد الله عريف رحمه الله.

ثم توالى الحديث من بعده عن وجود مخطط عام مرتقب خلال عهود الأمناء الذين جاؤوا من بعد العريف فأصبح المخطط كأنه مسلسل مكسيكي لايعرف أحد متى تكون حلقته الأخيرة. وهذا الحديث المستمر عبر عشرات السنوات يدور حول وجود المخطط العام في الوقت الذي تتعدد الاجتهادات الفردية والجماعية رسمية وشعبية ويستمر فيه منح تصاريح البناء والاستثمار التي ما أن يبدأ بعضها حتى يفاجأ المالك أو المستثمر بأن عقاره الحديث الولادة سيمر عليه نفق أو جسر أو شارع أو غيرها من الأمور التي تتطلب نزع ما تم بناؤه حديثا مما يؤكد أن المخطط العام المزعوم الذي دار الحديث حوله نحو نصف قرن لا وجود له على أرض الواقع لأن الحديث يدور عنه إعلاميا واجتماعيا دون أن يراه أحد وكأنه يلبس طاقية الإخفاء حسب الحكاية الواردة في الأساطير الشعبية، وكل ذلك يحصل في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن مشاريع لتنظيم المناطق العشوائية ومشاريع أخرى لمسارات قطارات داخل مكة وخارجها ومشاريع استثمارية كبرى لا أحد يعلم على أي مخطط عام سوف تنجز لعدم وجود ذلك المخطط العام.

ولذلك فلا عجب أن تستمر مشكلات المرور والنقل وصحة البيئة وغيرها من الأمور الحضرية والسكانية التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال وجود مخطط عام حقيقي مدروس دراسة فنية عالية المستوى توقف جميع الاجتهادات والأهواء، وتضع هذه المدينة المقدسة في المسار الصحيح، وإلا فإننا سوف نظل نتحدث عن المخطط العام للعاصمة المقدسة لعشرات السنوات القادمة وتذهب أجيال وتجيء أجيال وهي تسمع عنه ولا تراه!!.

عكاظ 2/11/1431هـ