نادي مكة.. أذكرتنا البلادي

كرم نادي مكة الأدبي ستة من مؤرخي مكة المكرمة يوم الأحد 11/9/1431هـ، وكان منهم المؤرخ الجغرافي عاتق بن غيث البلادي، الذي بارح دنيانا الفانية قبل عدة شهور، تاركًا ثروة علمية بلغت 42 كتابًا بعضها في مجلدات بلغت العشرة.

كان آخر اتصال لي به قبل حوالى شهر من وفاته حين احتجت لأحد كتبه، وكان قد ارسله إلي، وقرأته، لكنه ضل بين كتبي، فأرسله لي مع كتابه (الميضاح) الذي كان لدي منه ما كتبه من استدراكات على ترجمة كتاب (مرآة جزيرة العرب) للمؤرخ التركي ايوب صبري باشا، وكان بخط يده، فاخبرني بأن الكتاب قد طبع ولكنه غير موجود في المكتبات وارسل إلي بنسخة منه، قرأتها بعد وفاته، داعيًا له في كل معلومة صححها، فالكتاب يصحح أخطاء وأوهام من ألّف في تاريخ بلادنا من المؤرخين المعاصرين، أما كتب التراث فقد استدرك عليها في كتابه (محراث التراث) وأنصح كل مهتم بالتاريخ أن يقرأ (الميضاح) فقد صحح معلومات، وابان اهمية كتب وقيمة اخرى من الناحية العلمية، وهو يعد من أنفس كتبه، وقال فيه: نحن نستدرك على من قبلنا ويأتي بعدنا من يستدرك علينا.

أنفس كتب البلادي عندي (معجم معالم الحجاز) وهو في عشرة مجلدات، وقد اخبرني أنه في المطبعة حيث نفدت طبعته الأولى، وانتقل إلى رحمة الله قبل خروجها، ثم يأتي بعده ‏‏(معجم قبائل الحجاز) وهو موسوعة في قبائل الحجاز قديمًا وحديثًا.‏

ومما اشتملت عليه مكالمتي الاخيرة حصولي على فوائد علمية منه ‏فقد اخبرته أني أكتب بحثًا عن الآبار التي حفرها رجال من قبيلة ‏حرب على طريق الحاج، ولكن كتب الرحالة لا تذكر سوى اسم ‏فاعل الخير كبئر سعيد، أو بئر درويش فاذا به يخبرني باسم قبيلة كل ‏حافر بئر، فسعيد يحيوي ودرويش صبحي، وهكذا وما كنت لأظفر ‏بهذه المعلومات من سواه.‏

أمّا تاريخ مكة الذي كُرم من أجله فقد ترك فيه نفائس لا اظن أن ‏غيره ألف مثلها عدا ما وجد في كتبه العامة، ومنها (معالم مكة ‏التأريخية والاثرية) و(أودية مكة المكرمة) وألحق به ثلاثة ملاحق ‏عن جبال مكة ومعالمها في ديوان كثير عزة وعمر بن ابي ربيعة، ‏وكتاب (نشر الرياحين في تاريخ البلد الامين) وهو في مجلدين في ‏تراجم مؤرخي مكة وجغرافييها على مر العصور، وذكر مؤلفاتهم ‏عنها، ثم ألحق به مجلد استدراكات فيما فاته منهم، وكتاب (هديل ‏الحمام في تاريخ البلد الحرام) وهو في تراجم شعراء مكة في (4) ‏مجلدات، وكتاب (فضائل مكة وحرمة البيت). وكانت مكة منطلقًا ‏لرحلاته في تحقيق الاماكن وجعل ذلك في كتبه مثل (بين مكة ‏وحضرموت) و(بين مكة واليمن) و(على طريق الهجرة) (وبين مكة ‏وبرك الغماد) وغيرها.‏

إن ما تركه البلادي في تاريخ مكة أرث كبير، ولئن كُرم بعد أن ‏أصبح تاريخًا فإن بعض كتبه عن مكة أصبح نادر الوجود، فمن تكريم ‏وتكريم التاريخ إعادة طباعتها.

المدينة 20/9/1431هـ