الشرك وشاخص جبل الرحمة

عبد الله فراج الشريف


 

عبد الله فراج الشريف





إنّ دعوى فساد العقيدة، وانتشار الشرك بين مسلمي زماننا، وأنهم أشد شركاً من مشركي الجاهلية، دعوى لم يعد لها اليوم قبول في سائر عالمنا الإسلامي، وبقاؤها على ألسنة البعض وأقلامهم فيه إساءة عظيمة إلى جموع المسلمين في هذه العصور وعصور خلت، يجب أن ينصرف عنه العقلاء بما هو أنفع للإسلام والمسلمين في صرف الجهد للبحث عن حلول مشاكل عصرهم، وقد وهنت قواهم، وضعف اقتصادهم، وغلبهم اعداؤهم.
ولكنا وللأسف نجد كل يوم من يبعث هذه الدعوى من جديد، بصور متنوعة من الادعاء أن صون الآثار التاريخية مثلا والحفاظ عليها يقود إلى لون من الشرك عن طريق التمسح بها أو التبرك، والدعوى بإزالة هذا الأثر أو ذاك من أجل ذلك، والدعوى المطروحة دائماً أن بعض القادمين للحج والعمرة والزيارة يقومون بأعمال شركية عند تلك المواقع، وآخر هذه الدعاوى أنّ الشاخص المبنى أعلى جبل الرحمة بعرفات، للدلالة على موقع الجبل، يراه الحجاج من كل موضع في عرفات ليتجهوا إليه، إن ارادوا الاقتداء بسيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - بالوقوف عنده للدعاء، وعرفة كلها موقف، ولا وظيفة لهذا الشاخص سوى هذا، وكل المسلمين يعلم ذلك، يتمسح به الحجاج ويمارسون الأعمال الشركية حوله، ولا بد من ازالته هكذا يقولون.
ولو افترضنا أنه بلغ الجهل بأحد من المسلمين أن يعبد هذا الشاخص، فالعيب فيه لا في الشاخص، الذي بقى في مكانه زمناً طويلاً، ومثل هذا علاجه أن يزال جهله، لا أن يهدم كل ما تمسح به تعبداً، وإلا للزم أن نهدم مساجد ومشاعر، بل وبنية الكعبة وما حولها، لأن البعض يتمسح بها ويتبرك، وذلك ما يستحيل عقلاً وشرعاً، فهل نحن في حاجة للتذكير بأن ما يهدم من الآثار التاريخية والعمرانية في هذا الوطن اصبح أمراً مزعجاً لا لأهل هذه البلاد فقط، بل وللمسلمين في سائر أقطارهم، وهم يتحدثون اليوم منتقدين اسلوبنا في التفكير، وسوء ظننا بإخواننا المسلمين في كل قطر ومن كل مذهب وطائفة وفرقة، فهلا كففنا عن مثل هذا وصرفنا الجهد كله لبيان الحق بدليله، ودعوة الناس إليه، فهذا أجدى لنا ولهم من تهم نوزعها عليهم كل يوم، تجلب لنا إن لم أقل عداواتهم، فلا أقل من عدم ثقتهم بنا فهل نفعل؟!! .. هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.

 

المصدر : جريدة البلاد - السبت 28 رجب 1431هـ .