دفن أبناء مكة والمدينة فيهما

إن مما يؤسف له أن جميع المستشفيات العامة والخاصة أيضا في المدينة المنورة ومكة المكرمة غير مشجعة على العلاج أو الاستشفاء فيها، لعدم توفر الأجهزة الطبية المتطورة فيها، إضافة إلى ضعف مستوى الكفاءات في الأطباء أو أجهزة التمريض يؤيد ذلك ما نشرته «عكاظ» بتاريخ 6/6/1431هـ عن عجز 3 مستشفيات في المدينة المنورة عن توفير سرير لمريضة في حالة إغماء، الأمر الذي يضطر الكثير من المرضى المقتدر منهم أو المستعين بمساعدة الأهل للانتقال إلى جدة غالبا أو السفر إلى الخارج إن كان ممن تساعده إمكاناته على ذلك.
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن 75% من سكان المملكة يسكنون في منازل وشقق بالإيجار، كما تقول ذلك الإحصائيات العامة والتي تضيف أن نسبة الذين يعيشون في مساكن بالإيجار في المدينة تصل إلى أكثر من 80%.
هذه سطور كان لابد من الإشارة بمدلولها وأنا أحاول مناقشة موضوع الدفن في مقابر المعلاة في مكة المكرمة، أو مقابر البقيع في المدينة المنورة، إذ جرت العادة على أن من يتوفاه الله خارج إحدى هاتين المدينتين وهو من أهلها تتم العودة به لدفنه في مقابرها كي تتوفر لأهله زيارته والدعاء له، كما أوصى بذلك نبي هذه الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما كان كثرة من أهل المدينتين وأبنائهما تدركهم الوفاة وهم يتعالجون في مستشفيات جدة الخاصة، أو التخصصي، أو مستشفيات الحرس الوطني، أو وزارة الدفاع لما هو متوفر فيها من استعدادات وكفاءات، وكذا من تدركه الوفاة خلال فترة علاجه في الخارج، كما أن نسبة كبيرة من أبناء المدينتين يسافرون منها في رحلة عمل أو طلبا للعلم أو الرزق من خلال وظيفة أو عمل حر على غرار رحلة الشتاء والصيف، جرت العادة أن يتم نقلهم بسيارات الإسعاف الخيرية التي لا تحمل أهل الميت أي كلفة أو مشقة وذلك لما أسلفت، ولكي يتم الغسل والتجهيز عند الأهل من والد ووالدة وإخوة وعشيرة وبنين، لذا كان المنع بعدم نقل الميتين لدفنهم في مقابر المعلاة في مكة المكرمة أو مقابر البقيع في المدينة المنورة غير مقنع لأهل المدينتين عامة، خاصة أنه سبق أن كان لإمارة منطقة المدينة المنورة موقف بمطالبة من يريدون دفن موتاهم في مقابر البقيع في المدينة المنورة حتى وإن كان المتوفى من أبنائها، إثبات ذلك بصك تملك لمسكنه، والأمر كما ذكرت آنفا أن ثمانين في المائة من أهل المدينة المنورة يعيشون في مساكن بالإيجار.
أخي الأستاذ خالد الحسيني أفردت له صحيفة البلاد صفحتين يوم الإثنين 10/6/1431هـ والأحد 16/6/1431هـ مستعرضا القرار ومؤكدا «أن أهل المدينتين أولى بالدفن فيهما حتى ولو كانوا يعيشون في خارجها» وكان مما قال بعدد يوم الإثنين 10/6/1431هـ وهو على حق:
إذا كانت العملية المقصود بها التنظيم بعدم نقل كل من يريد الدفن في مكة المكرمة والمدينة المنورة من غير أهلها فهذا أمر نجد أنه من الممكن قبوله، لكن أهل مكة والمدينة لهم الحق في أن يدفنوا حيث ولدوا وحيث عاشوا حياتهم، بل إن بعض هؤلاء يتوارثون العيش في مكة والمدينة من مئات السنوات وبعضهم من أهلها وتعود أصولهم إليها والبعض الآخر قضوا سنوات طويلة فيها حيث يوجد من هؤلاء ممن لا يحملون الجنسية السعودية ولكنهم عاشوا سنوات طويلة وبعضهم عاش والده في مكة أو المدينة ومات ودفن فيها. وهم يأملون أن يكون ما نشر في الصحف المقصود به غير السعودي أو المتوفى من الذين يعيشون في غير مكة والمدينة ويرغبون في الدفن في مكة أو المدينة.
ثم عاد الأستاذ الحسيني وقال في عدد يوم الإثنين 16/6/1431هـ بعد منافشة الأمر موضحا بالقول: إنه ما المانع أن يدفن أهل مكة أو المدينة فيهما وأهل المتوفى هم من يقوم بذلك وما يدفع من تكلفة للتجهيز والنقل لا يساوي شيئا، بل هو نقل في سيارات «مجانية»؟ ولماذا لا يتم التجاوز عن ذلك لصالح الناس وتطيب نفوسهم طالما أن الدفن في مكة والمدينة لهؤلاء من أبنائهما.
إن ما نتمناه أن لا يحرم أهل مكة والمدينة سواء الساكنين فيها اليوم أو أهلها الذين خرجوا منها لظروف الحياة ولازالت أسرهم باقية فيها من الدفن فيها وهم الأولى، ولا يمنع نقل المتوفى في غير مكة والمدينة إليهما ما دام أنه من أهلها أو الساكنين فيهما من قديم، وذلك لتحقيق هدف إمارة منطقة المدينة التي ترغب في تنظيم أمور الدفن للضغط الحاصل من الراغبين من غير أهلها للدفن فيها ولهم ذلك الحق.
وأخيرا فإنني وكافة أهل المدينتين المقدستين نتمنى ذلك والله الموفق والمعين.

 

المصدر : جريدة عكاظ - الأربعاء 26 / 6 / 1431هـ - العدد : 3279