وثائق مكية ( 1044 – 1375 هـ)
جمع الباحث في التاريخ المكي حسام مكاوي وثائق لم يسبق تدوينها لأحداث وأماكن عن مكة، معززا ما جمعه بالرجوع لشخصيات كانت قريبة من هذه الأحداث، كما عزز مادته العلمية بتوثيقها من أمهات الكتب.
وأصدر مكاوي ما جمعه في جزء أول بعنوان (وثائق مكية 1044-1375هـ /1634-1955م) عن مركز تاريخ مكة المكرمة.
والكتاب يحوي 76 وثيقة تاريخية صادرة في الغالب عن محكمة مكة المكرمة، وحسب إفادة الباحث فإنه يعد أول كتاب يجمع مثل هذا النوع من الوثائق المستخرجة من خزائن الأسر المكية، ويقول المؤلف في مقدمته «وجدت في تلك الوثائق كثيرا من الحقائق التاريخية الغائبة أو المفقودة، التي لم يعنَ بتدوينها لشهرتها في وقتها، فأدى ذلك إلى جهلنا بها في الوقت الحاضر، وهذا كون رافدا تعويضيا للقصور في كثير من جوانب التاريخ المكي المكتوب، جانب آخر مهم من التاريخ المكي أمدتنا به الوثائق، وهو التوثيق التاريخي للمصطلحات الحضارية المكية في مراحل تاريخية مختلفة، بحسب تاريخ كل وثيقة وموضوعها، فتحت مادة المصطلحات نجد توثيقا ناطقا للمنشآت العمرانية في مكة المكرمة، ووحداتها المكونة لها صغيرها وكبيرها، بداية من الدار والقصر والعُزلة والبسطة والبترة، مرورا بالخلوة والصفة والدهليز والمبيت والمخلوان والمبيت والحنِّية والروشان ودلالاتها الاصطلاحية ووظائفها، ومن ثم البيئة العمرانية لمكة، وتخطيطها وعناصرها، وما تدل عليه، وذلك عندما تذكر الوثيقة البرحة والسرحة، والمزل والسيب، والحوش والرَّبع، وكيف تكونت نتيجة لأحوال كانت موضوعية ومنطقية في حينها، وذلك نتيجة العوامل الطبيعية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».
والواقع أن من يقرأ كتاب (وثائق مكية) يجد فيه تصويرا بانوراميا لمكة المكرمة خلال أربعة قرون من جوانب عدة، حيث تجوب بك هذه الوثائق أحياء مكة وحاراتها ورباعها القديمة، وتطوف بك في أزقتها الضيقة التي حملت أسماء ساكنيها، وشوارعها الواسعة، وفسحاتها التي احتضنت أسمار أهلها، وجلسات عاشقيها، ودكاكينها التي شهدت أيام رخائها وشدتها، وعرضت فيها بضائع الشرق والغرب، وعبقت برائحة الورد والعود والعنبر، وفاح منها أريج أعشاب العطارين، حيث يسير بك الكتاب بين شوارع وأسواق سويقة والقشاشية، والمدعى والشامية، والغزة والفلق، مستظلا تحت أفيائها، مستعذبا ذلك التاريخ.
ثم يعود بك إلى المدارس، وخلاوي العلماء التي تشبعت بأنفاس الطلاب، وعبقت بعطر قراءتهم ودروسهم في جلساتهم اليومية المطلة على أروقة وقباب الحرم المكي الشريف، أو حصواته، ثم يصحبك في رحلة داخل البيوت المكية، بما حوت من فرش ورياش وأرايك وملابس وأدوات من خلال الوثائق التي حصرت فيها مقتنيات البيوت وموجوداتها، وكمثال على ذلك نجد في الوثيقة الصادرة سنة 1257هـ، الخاصة بحصر مقتنيات السيد سليمان نائب الحرم بعد وفاته تمهيدا لبيعها، حيث احتوت الوثيقة على نحو 300 قطعة من موجودات البيت المكي في ذلك الوقت، فهي تضم من الملابس: غباني، وأحاريم ، وثياب درابزون، ومشالح وغيرها، ومن الأدوات: ملاعق أبنوس وعظم، وأطقهم قهوة، وقدورا، ودوايات ...إلخ ، في وصف دقيق لكل قطعة وقيمتها.
كما يلتقي قارئ الكتاب، ضمن الوثائق، آلافا من الشخصيات المكية التي عاشت على هذه الأرض الطاهرة عبر قرون عدة، وحفلت بهم طيات هذه الوثائق، فيلتقي بالتاجر، والعالم، ومهندس البناء، والفقيه، والقاضي والوالي، إضافة إلى ذلك فإن الكتاب وثق لتاريخ كثير من الأسر المكية، كآل الشيبي، والميرداد، ونائب الحرم، والدهلوي، ورحمت الله، والخوج، وبيت المال، والعراقي، وغيرهم كثير من العوائل التي سكنت مكة في القرون الأربعة التي شملتها الوثائق.
وترصد مجموعة الوثائق التغيرات الاقتصادية في مكة المكرمة، والعملات التي استخدمت فيها عبر القرون الأربعة، كما يضم الكتاب فصلا خاصا عن ملامح التوثيق في التاريخ المكي، وأشهر من اعتمد على الوثائق من المؤرخين المكيين، إضافة إلى إشارة الوثائق إلى كثير من الأوقاف التي أوقفها المكيون، سواء على الأبناء والذرية أو الأعمال الخيرية، لذلك يمكن القول إن الكتاب بما حواه من وثائق يعد إضافة قيمة للمكتبة التاريخية المكية، ومرجعا مهما للباحثين في التاريخ المكي، حيث دون فيه كثير مما لم يدون في المصادر المكية الأخرى.