أحمد علي الكاظمي يوثق مكة بيومياته ( 1 )

نقتبس هنا نماذج لبعض الأحداث والمعلومات المتعلقة بمكة المكرمة التي وردت في اليوميات التي دونها أحمد علي أسد الله الكاظمي –رحمه الله- والتي تعدها دارة الملك عبدالعزيز للنشر كاملة في إصدار مستقل.


وكاتبها هو من رجالات التعليم الرواد في المملكة العربية السعودية عمل معاونا لمدير مدرسة الأمراء بالرياض ومعلما فيها بين 1357 و1373هـ، ثم مفتشا بوزارة المعارف، وعميدا لكلية الشريعة بمكة المكرمة، توفي رحمه الله في 1413.


  السبت 16 ربيع الأول 1360هـ

سيل مكة العظيم:

جاء اليوم بريد مكة وفيه نبأ ووصف للسيل العظيم الذي جاء مكة، وملخص ما جاء هو: دخل الحرم فوصل إلى ما فوق الحجر وصار الحرم بحيرة وكان بعض الحجاج يطوفون عائمين، وباب الصفا وباب علي كسرهما السيل إربا إربا، وإن كثيرا من الدكاكين والدكات جرفها السيل، وانقطعت المواصلات التلفونية بين جدة والطائف والبلدة لانقطاع الأسلاك، وخربت عين زبيدة فوقفت وارتفع ثمن الماء في البلدة، وصارت الشوارع والأزقة حفرا وأجرافا، وربما بلغ عمق بعضها قامتين، وجرف السيل بعض الناس والأولاد والجمال وعددا من السيارات جرفها السيل بما فيها من الأعشاش والأكواخ وكذلك حارة المسفلة جرف السيل فيها (صنادق) وبيوتا وعشاشا كثيرة، وتهدمت مئات من البيوت و و و …


السبت 20 جمادى الأولى 1360هـ جاءنا في البريد الأخير خطاب من مكة وفيه أن عين زبيدة إلى الآن لم يتم العمل فيها وربما يطول عملها إلى رمضان المقبل، وقد ظهرت عين جديدة من ناحية الغسالة وهذه العين كانت مهجورة ومجاريها خربة مسدودة، وقد لفت وقوف عين زبيدة أنظار هيئة عين زبيدة إلى هذه العين فأرسلت عمالاً واشتغلوا فيها وفي مدة وجيزة انفجرت المياه في مجاريها وهي متصلة بمجاري عين زعفران، وامتلأت الخزانات كلها في مكة، بل وفاضت في شوارع مكة.


سد مكة:

كان التفكير في إنشاء هذا السد ابتداء من بعد السيل العظيم الذي جاء مكة فأتلف ودمر كثيرا من البيوت والدكاكين والحرم وأبوابه، من بعد ذلك السيل فكر الناس وأولو الأمر في مكة في مشاريع مختلفة بشأن مقاومة السيول وأضرارها.


وكان أول المشاريع إنشاء هذا السد وتحويل مجرى السيل إلى وادي عشر من عند السد القديم وما كان أحد يصدق أن مشروعا كهذا سيتم أو سيبتدئ فيه في مثل هذا الوقت الحرج، ولكن إذا أراد الله أمرا هيأ له أسبابه فوفق الله جلالة الملك المعظم للقيام بمثل هذا المشروع العظيم وأصدر أمره بأن ينشأ هذا السد على مصاريفه الخاصة.


وقد وضع الحجر الأساسي لهذا السد يوم الأحد 26 ربيع الثاني سنة 1361 الموافق 12 أبريل 1942 وأقيم بوضع الحجر الأساسي احتفال كبير من قبل بلدية مكة المكرمة حضره معظم الموظفين والأعيان وكبار رجال السعودية وعلى رأسهم الأمير عبدالله بن فيصل بن عبدالعزيز وهو الذي وضع الحجر الأساسي بيده.


ربنا يتمم المشروع العظيم بخير ويكون مفيدا لمصلحة الناس وأهل مكة.


الأربعاء 27 ربيع الآخر 1361هـ

جريدة أم القرى:

أصبحت جريدة أم القرى [بسبب الأوضاع الاقتصادية نتيجة للحرب العالمية الثانية] بعد شكلها الحاضر وبعد أن صارت في حجمها الصغير، كأنها نشرة إعلانات ونشرة صحية فلا يجد الإنسان في صفحتها الأولى والثانية والثالثة والرابعة غير الإعلانات المختلفة.


وقد مرت على هذه الجريدة أدوار وأطوار ترتقي حينا وتنخفض أخرى من ناحية مادتها ومواضيعها المختلفة، ولكن الدور الحاضر والذي يمر فيها الآن هو من أسوأ الأدوار وقد سمعت من أخبار مكة أن مديرها الأخير الذي كان تعين حديثا وهو الشيخ عبدالقدوس الأنصاري قد نقل من إدارتها وتحريرها إلى دائرة أخرى وعهدت إلى إدارة أحمد ملائكة وهذا النقل والتعيين بالطبع لم يحصل إلا بعد أن آلت الجريدة إلى هذه الحالة التي لا تحتاج فيها إلى كاتب أو محرر أو أديب فما تملأ به هو الإعلانات المختلفة من المالية والقضائية وأخرى تجارية.


وإن دور أم القرى هذا لدور يؤسف ويؤلم.
لقد كان الواجب في مثل هذه الأوقات التي وقفت فيها بقية الجرائد عن الصدور كصوت الحجاز والمدينة والمنهل، أن تكون أم القرى مثالا للصحافة العربية السعودية وليس بضروري أن تملأ أعمدتها بالمقالات السياسية والآراء الحربية، بل كان من الميسور أن تملأ هذه الأعمدة بمقالات دينية ومواعظ ونصائح ومقالات تاريخية تنير أفكار الناس وأذهانهم وترشد العامة إلى العقائد الصحيحة لأن الناس في مثل هذه الأوقات أكثرهم عاطلون لعدم وجود الأشغال وشل حركة الحجاج والتجارة.


مثل هذه الأوقات أكثر شوقا لمطالعة الجرائد أو قطع الوقت في الأحاديث والكلام إذا ما وجدت الجرائد أو الشيء الذي يقطعون به الوقت أو ينصرفون إلى الألعاب البيتية كالورق بأنواعه المختلفة والشطرنج والدومنيو والداما والطاولة.


لأن أوقات الفراغ كثيرة ولا بد من قطعها في شيء إما في خير أو في شر، ولو كانت الجريدة في هذه الأيام كعادتها الأولى 8 صفحات أو4 صفحات كبيرة وكانت هذه الصفحات أكثرها مفعمة بالمقالات التاريخية أو الأدبية أو العلمية لكانت خير سلوى للناس يقطعون بقراءتها أوقات فراغهم وكانت خير عمل للكتاب والعلماء، ولو كلف بعض العلماء والأدباء بأداء هذه المهمة لما تأخروا.


إن الجريدة تعدّ في العصر الحاضر سجلا للوقائع والحوادث الداخلية والخارجية، وإذا كانت الجريدة أسبوعية فمعناها أن حوادث الأسبوع الشهيرة والمهمة في بلادها وفي غير بلادها يقرأها الإنسان في هذه الجريدة الأسبوعية وإذا اجتمعت جرائد أسبوع ثم جرائد شهر ثم جرائد سنة كانت هذه المجموعة خير تاريخ لهذه السنة يجد فيها الإنسان وفيات الأعيان لسنة كاملة والحوادث الجسام و الحركة الأدبية - حركة النشر والتأليف وما صدر من الكتب.


وإذا كانت يومية فهي سجل للأخبار اليومية والوقائع اليومية ومن أجل هذه الأغراض وهذه المنافع يتحمل الناس عبء اشتراكاتهم في الجرائد والمجلات ويدفعون وراء ذلك مبالغ ليست بقليلة ويجمعونها عندهم مجموعات سنوية.


ولكن إذا نظرنا إلى جريدتنا أم القرى وإلى هذه المنافع التي يجدها الإنسان في الجرائد وإلى المهمة العظيمة التي تقدم بها هذه الجرائد نجد أم القرى بشكلها الحاضر بعيدا عن كل هذه الأغراض بُعد المشرق عن المغرب، فمجموعتها بهذه الصفة لا تعدّ سجلا تاريخيا ولا أدبيا ولا علميا وليس فيه شيء مما يجري اليوم في العالم أو مما يحدث في البلاد أو مما وصلت إليه أفكار أهل البلاد وعلمهم ليس فيه شيء من هذا مطلقا.


ولو وجدت بعد سنين مجموعة من هذه الجريدة في شكلها هذا وأراد إنسان أن يستفيد منها عن البلاد وحوادثها أو حوادث العالم أو عن شيء آخر يفيد التاريخ أو العلم أو الأدب لما وجد فيها بغيته ولا غرضه!! إنما الذي يجده هو هذه الإعلانات عن الأراضي المحتكرة وإعلانات الخزينة عن محلاتها للإيجار وعن محلات الأوقاف التي لم تؤجر بعد وعلى نشرة صحية وعلى إعلانات تجارية وعلى سفن وصلت جدة من الموانئ الحجازية.


هذا كل ما يجده الإنسان من هذه الجريدة! فما أقل حظ العالم أو المؤرخ أو الأديب بعد سنوات من مجموعات هذه الجريدة في شكلها الحاضر!!


الأحد 13 رجب 1361هـ

الأسعار:

لقد ارتفعت الأسعار في مكة وفي نجد أي في الرياض، بمناسبة الحالة الدولية الحربية وبسبب خبث التجار المحتكرين لهذه الأشياء - وبلغت قيمة الجنيه في الرياض 55 ريالا وفي مكة وصلت قيمته 57 ريالا وكيس الأرز العادي بـ 38 ريالا في الرياض و40 ريالا في مكة.


الجمعة 23 شعبان 1361هـ

وصلت من مكة هيئة البلدية ورئيسها محمود قطان وكان رئيسا لجمعية القرش سابقا ومعه بقية الأعضاء شفيق حريري ومصطفى أصغر وهو مطوف والسكرتير طاهر زمخشري وكان بالبلدية في مكة وكاتب آخر أبوبكر الزمخشري ومعهم عدد غير قليل من (الشَوَش) أي الذين يؤدون خدمات البلدية وهم كجند للبلدية.
وصل الجميع قبل الجمعة ولما كان جلالة الملك في الخرج تشرفوا بمقابلة سمو ولي العهد بعد صلاة الجمعة وخطب الرئيس كما سمعت وألقى الأديب طاهر قصيدة وقد نزلوا في محلة (قري)! وربنا يوفق الجميع إلى الخير والصلاح.


الأربعاء 4 ذي الحجة 1362هـ

تموين الحجاج

[بسبب أزمة الحرب العالمية الثانية]:

ازدحمت اليوم مكة بحرمها وأسواقها ومسعاها بالحجاج المصريين والسودانيين والفلسطينيين والنيجيريين والنجديين واليمانيين وإيرانيين والطرق مستمرة تنقل الحجاج فطريق البر من ناحية الكويت عامرة بالسيارات الآتية وطريق البحر أي من مصر كذلك مستمر الحركة، وعدد الحجاج مع هذا الازدحام لا يذكر بجانب عددهم في السنوات التي قبل الحرب.
وقد نظمت الحكومة مسألة تموين الحجاج بالدقيق والسكر والشاهي بأن فتحت لهم "مباسط" في كل حارة ولا تصرف هذه المباسط إلا للحاج إذا جاء ببطاقة من عند شيخ المطوفين بالقدر اللازم له وعندئذ يقدم البطاقة ويشتري من هذه المباسط ما يحتاج إليه من هذه الأشياء، وأما بقية الأشياء الصغيرة كاللحم والخضار وملحقاتهما فيشتري الحجاج من الأسواق العامة بدون أي قيد ولا شرط كما يشتريه الأهالي.
وهناك لجنة لتموين الأهالي وطريقتها أن كل عائلة لا تأخذ من عيش الصدقة (التي قررها جلالة الملك لفقراء مكة وهي كما سمعت 130 ألف قرص يوميا) لها الحق أن تكتب لهذه اللجنة بعدد عائلتها وتطلب من اللجنة تقرير ما يلزمها شهريا من الحب والدقيق والسكر والشاهي والبن والهيل وإذا دخل هذا الطلب إلى هذه اللجنة فهي ترسل هذا من قبلها إلى عمدة المحلة الذي من محلته صاحب هذا الطلب لتتأكد اللجنة من تأكيد عدد عائلته وهل هي كما ذكر في الطلب أم لا، وبعد تصديق عمدة المحلة على هذه العريضة تعاد إلى اللجنة المذكورة ثانيا وعندئذ تقرر اللجنة لهذا الطالب باسم عبدالله سرور وهو مدير المخازن والمستودعات وورقة أخرى تبقى مع الرجل وتجدد كل شهر والرجل يذهب إلى أحد المستودعات (وهي متعددة في البلدة) ويدفع قيمة هذه الأشياء ثم يأخذ ما هو مكتوب له.
وهناك فرق واضح بين قيمة هذه الأشياء إذا اشتراها من السوق وقيمتها عند لجنة التموين.
هذه هي لجنة التموين.


السيرة الذاتية

نسبه ونشأته:

- أحمد علي بن أسدالله بن علي بن أحمد علي الكاظمي نسبة إلى الإمام موسى الكاظم بن جعفر.

- والدته السيدة هاشمية يتصل نسبها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه 1325

- ولد في مكة المكرمة ونشأ وترعرع فيها 1357

- تزوج من فاطمة ابنة العلامة محمد بن عبدالرزاق حمزة


تعليمه:

1333
- التحق مع أشقائه بالمدرسة الصولتية بمكة المكرمة، وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى أغلقت كل المدارس، فتولى والده تعليمه مع أشقائه، فتلقى عليه القرآن الكريم واللغة العربية ومبادئ اللغة الفارسية والخط الفارسي، كما تلقى خلال تلك الفترة بعض العلوم على يد المحدث الشيخ مظهر حسين المجاور بمكة مثل علم الحديث ومبادئ علم النحو والصرف، وعلى يد بعض المشايخ في الحرم المكي الشريف.


1344
في أوائل الحكم السعودي التحق مع أشقائه بالمعهد العلمي السعودي فأكمل سنة دراسية ثم أغلق المعهد.


1345
نصحه مدير المعهد حينذاك الشيخ بهجت البيطار بالالتحاق بالمدرسة الابتدائية بالمسعى حيث كانت المدرسة الحكومية الأولى في مكة المكرمة، والتحق بها في السنة الثانية.


1347
أعيد فتح المعهد السعودي فانضم إليه واستمر به حتى تخرج عام 1349


حياته العلمية

بدأ حياته العملية كمدرس ملازم (تحت التجربة) في المدرسة الابتدائية بالمسعى.


1350 :

عينته مديرية المعارف مدرسا رسميا في إحدى مدارسها بالمدينة المنورة، ثم في مدرسة حارة الباب التحضيرية في مكة المكرمة.


1355 :

انتقل إلى وظيفة مدير مدرسة المعابدة التحضيرية )المحمدية فيما بعد(، وفي الصيف انتدبته مديرية المعارف للعمل مديرا للمدرسة الفيصلية بمكة، وفي نهاية العام انتدب إلى المدرسة العزيزية الابتدائية.


1356 :

عين أستاذا في مدرسة الأمراء أنجال الملك عبدالعزيز، ثم رقي إلى معاون مدير مدرسة الأمراء وبقي فيها نحو 18 عاما.


1373 :

أمر نائب رئيس مجلس الوزراء بنقله إلى وزارة المعارف على وظيفة مفتش فني بدرجة أ


1374 :

انتقل عمله بموجب قرار وزاري إلى إدارة الترجمة في وزارة المعارف.


1375 :

كلف إلى جانب عمله، بإدارة مدرسة اللغة الإنجليزية الليلية بمكة المكرمة.


1376 :

صدر قرار بنقله من وظيفة مترجم إلى وظيفة مساعد مدير كلية المعلمين (كلية التربية بجامعة أم القرى حاليا)


1377 :

عين مديرا ثم عميدا لكلية الشريعة في مكة المكرمة وبذلك عرف بأنه رابع مدير وأول عميد لكلية الشريعة، ثم انتقل إلى وظيفة كبير المفتشين في وزارة المعارف إلى أن
تقاعد.


1388 :

صدر قرار مجلس الوزراء بتمديد خدماته 5 سنوات.


1397 :

نقلت خدماته إلى وزارة التربية والتعليم واستقر عمله مستشارا في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي التابع لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية آنذاك.


1399 :

نقل إلى وظيفة مستشار لجامعة الملك عبدالعزيز شطر الجامعة بمكة المكرمة واستمر حتى عام 1402 .


مؤلفاته

إن نتاجه العلمي في المجال الثقافي والأدبي كان كبيرا ومن أبرز مؤلفاته:

  • - تاريخ آل سعود
  • - ذكريات
  • - رحلة إلى الغرب
  • - يوميات الرياض
  • - رحلة إلى الشرق
  • - نشر النور والزهر (بالاشتراك مع صديقه محمد سعيد العمودي)
  •  

 

الصدر : صحيفة مكة 1435/10/21هـ