أهل مكة ينقسمون حول شعابها

"أهل مكة أدرى بشعابها"..مثل دائماً ما يتردد بين الناس، وهم متفقون فيه على أن أهالي العاصمة المقدسة هم الأكثر معرفة بجغرافية مدينتهم، إلا أنه في هذه المرة جاء بصورة أخرى، أخرج بها الاختلاف حول حد الحرم الجنوبي عن الاتفاق بتلك المقولة، فما بين رأيين مختلفين حول صحة حد الحرم الجنوبي في مكة المكرمة، شكلت 6 مواقع نقطة خلاف تنتظر الحسم في كونها خارج حدود الحرم أم داخله.

وبحسب أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى الدكتور خالد آل زيد، فإن بعض المشايخ اهتموا في الفترة الأخيرة بتحديد حدود الحرم وتتبع المسار الحقيقي لها من جميع الجهات، وتوصلوا إلى نتائج طيبة، لكنهم اختلفوا في رسم حد الحرم الجنوبي، وبالتحديد بين جبل لبن وجبال العابدية، قائلاً إن 6 أحياء خرجت عن حد الحرم، وأصبحت حِلا، وهي: ريع نخيلة، ودحلة عمرة، وحي الأعفر، ودحلة الناقة، وجبال عارض الحصن، ودحلة ناصر، ومجمل مساحتها يقدر بحوالي 10 كيلو مترات.

أما عضو لجنة إعلام الحرم الدكتور خضران الثبيتي فيقول إن مواقع الأعلام القديمة للحدود لم تتغير، وبقيت في مواضعها منذ عهد إبراهيم عليه السلام، ووجودها في أماكنها أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه ولا المجاملة أو الأخذ بالرأي الشعبي، مشيراً إلى اعتقاد عدد من ساكني ضاحية الحسينية بأن منازلهم داخل منطقة الحرم، مؤكداً عدم علمهم من قبل حتى تم إشعارهم.


اختلاف تحديد المشايخ

يجب حسم هذه المسألة حتى لا يقع الحاج والمعتمر في حيرة من أمره، والأخذ بالاعتبار أن حدود الحرم توقيفية وتحكمها مجموعة من الضوابط والقواعد الشرعية والتاريخية، والتي ترتبط بمداخل مكة المكرمة الرئيسة، والتي حددت منذ عهد إبراهيم عليه السلام.


وفي الفترة الأخيرة اهتم بعض المشايخ بتحديد حدود الحرم وتتبع المسار الحقيقي لها من جميع الجهات، وتوصلوا إلى نتائج طيبة واكتشافات علمية جيدة، لكنهم اختلفوا في رسم حد الحرم الجنوبي، وبالتحديد بين جبل لبن وجبال العابدية، حيث إن هناك من اختار طريقا وجد عليه أنصاب الحرم، وهو ينتقل من جبل لبن إلى جبال نعيلة، ثم جبل خواصر، ثم إلى فج مهجرة، ثم إلى جبل صيفة، ثم إلى جبل الأعفر، وثم إلى جبل عارض الحصن، ثم جبال العابدية..بينما جاء في دراسة أخرى متأخرة أن حد الحرم لو أردنا تتبعه في الجهة الجنوبية فإن الحد انتقل من جبل لبن إلى جبل حبشي.


وقطعت الدراسة هذا الجبل من جنوبه الغربي حتى شماله الشرقي، ثم جبل جري ثم جبل أم طبق والانتقال بحد الحرم إلى جبل المريخية ويسمونه جبل تمام، وهي الجبال الواقعة في جنوب العوالي مباشرة.
ولو تم النظر إلى المسارين نجدهما يكادان يكونان متوازيين، وهذا لا يتفق مع ما هو ثابت في الشريعة الإسلامية، وهو أن حدود الحرم ثابتة ولابد أن يكون مسارها واحدا، إضافة إلى أن الأعلام المنصوبة واحدة لا تتغير من مكانها.

وقد وقفت على الحد الجنوبي للحرم، وصعدت على الجبال التي أشارت إلى الأنصاب، في الدراستين اللتين خرجتا، وأرى أنه لا بد أن تخرج دراسة جديدة لتقييم هذه الأنصاب من حيث مدى قيمتها ودورها ووجودها، وهل هي حقيقية بالنسبة لحد الحرم أم تم اختيارها عشوائياً، كون أن هناك تبايناً في أحجامها وأشكالها واتجاهاتها، حيث إن القاعدة التي اتبعتها الدراسات الحديثة تذكر أن ما سال نحو الحل فهو حل، وما سال نحو الحرم فهو حرم، وقاسوا هذه القاعدة على الأرض بالنسبة للوادي، حيث يتجه له الماء فيصبح حِلاً.

أطالب بإعادة الدراسة، حيث إنها تحتاج إلى جمع النصوص العلمية والقواعد الشرعية، ثم تنطبق معا ولا تنفرد قاعدة دون أخرى، حتى يعرف ما هو الأصل والأصح فيه.

وهناك عدة قواعد شرعية تبين مدى أهمية الوادي وعلاقته بالحرم غفلت عنها الدراسات السابقة، ومن ضمنها: (ما قارب الشيء أخذ حكمه)، و(القديم يترك على قدمه)، وقول ابن عباس رضي الله عنهما: فإن أبيتم إلا العمرة ـ ويقصد أهل مكة - فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد.

وكان يقصد بطن الوادي من الحل، وهذا يعني أنه قد يكون هناك جزء من الوادي ولكنه حرم، لأن الوادي بطن وطرف كجسم الإنسان.

وهذا يعني أن بطن الوادي هو الحل، وهو كلما يجري به الماء، ويأتي القصد من نص ابن عباس أن الوادي أقرب إلى مكة.

وإذا جئنا لوادي عرنة، وهو في الجنوب، فهذا يعني أن حافته الشمالية في الحرم وليست في الحل، بينما تجد الدراسة الأخيرة أخرجت أماكن وهي شمال وادي عرنة.

الدكتور خالد آل زيد أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى


اتباع المنهج الصحيح

مسألة رسم حدود الحرم تبنى على الآثار والروايات الصحيحة والمنقولة عن الصحابة، أو أحاديث مرفوعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم التي ذكرت بها معالم معينة، بالإضافة إلى الاستعانة بأهل الخبرة والمعرفة في المنطقة بتحديد هذه المعالم بناءً على ما ورد في الآثار والروايات، ومن المتوقع من اللجنة التي تابعت أعلام الحرم أنها سارت على هذا المنهج.

الدكتور علي الحكمي عضو هيئة كبار العلماء


الأعلام لم تتغير

تحققت اللجنة المكونة لرسم حدود الحرم من صحة مواضع الأعلام الموجودة على كامل حدود الحرم، حسب قاعدة «خط تقسيم المياه» والتي اعتمدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أراد تجديد الأعلام.

وظلت اللجنة تتقصى مواضع الأعلام على الحدود لمدة 13 عاماً تم خلالها رصد إحداثياتها ورسم مسار الحدود بمساندة فريق عمل مساحي قوامه 22 فردا من قبل الإدارة العامة للمساحة بوزارة الدفاع، يعملون ضمن لجنة شكلت بأمر سامِ كانت آنذاك برئاسة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل، رحمه الله، وعدد من المشايخ وأصحاب الخبرة، إضافة إلى مجموعة من أهالي المنطقة.
ولم يتم تغيير مواقع الأعلام القديمة.

واللجنة اعتمدت بناء 14 علماً على مداخل مكة المكرمة الرئيسة والتي بنيت في عهد الملك فهد، رحمه الله، وبإشراف من وزير الداخلية، ووضعت في أماكنها طبقاً للقواعد الشرعية التي طبقت بشكل هندسي وبواسطة الأقمار الصناعية، وبقيت الأعلام في مواضعها منذ عهد إبراهيم عليه السلام، ووجودها في أماكنها أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه ولا المجاملة أو الأخذ بالرأي الشعبي، كونه أمراً واقعياً وملموساً على الطبيعة.

وقام عدد من ساكني ضاحية الحسينية بتقديم شكواهم لمقام الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، بحجة أن منازلهم الموجودة في الحسينية أصبحت في منطقة الحل، حيث إنهم كانوا يعتقدون بأنها داخل منطقة الحرم، وقد أعيد الموضوع للجنة، وتم التواصل وقتها مع أصحاب الشكوى، وعندما تم إشعارهم بمواضع الأعلام الحقيقية اتضح أنهم لم يكن لديهم علم من قبل، ولكنهم كانوا يريدون تقديم أعلام الحسينية إلى ما بعد وادي عرنة، وهذا الوادي ليس داخل حد الحرم إطلاقاً.

الدكتور خضران الثبيتي عضو لجنة أعلام الحرم

 

المصدر : صحيفة مكة 1435/8/24هـ - اشرف الحسيني .