مسجد بلال
على رأس جبل أبي قبيس وفي قمته, مسجد صغير يطل على المسجد الحرام , ظاهر لعموم الناس من جميع الجهات فهو كما يقول الشاعر: ((كأنه علم في رأسه نار)) ولما كان جبل أبي قبيس أول جبل وضعه الله تعالى في الأرض, وهو الجبل العظيم المطل المشرف على المسجد الحرام , وكان هذا المسجد الذي على قمته قائما عليه كالعلم , فقد رأى الشريف الحسين ملك الحجاز الأسبق , أن يجعل من هذا المسجد الذي على جبل أبي قبيس علامة أي (ماركة) في شكل خاص , توضع على بعض الأوراق الرسمية الحكومية, كجوازات السفر وبعض أنواع الطوابع , وإليك صورة هذه العلامة (الماركة).
وبناء هذا المسجد على قمة جبل أبي قبيس قديم جدًا, يرجع إلى القرن الأول في الإسلام , لأن الإمام الأزرقي المولود في القرن الثاني للهجرة قد ذكر هذاالمسجد في تاريخه, فقد قال عنه ما نصه:
ومسجد على جبل أبي قبيس , يقال له مسجد إبراهيم, سمعت يوسف بن محمد بن إبراهيم يسأل عنه: هل هو مسجد خليل الرحمن, فرأيته ينكر ذلك وقول: إنما قيل هذا حديثا من الدهر, لم أسمع احدا من اهل العلم يثبته.
قال أبو الوليد (أي الأزرقي يعني نفسه) : وسألت أنا جدي عنه فقال لي: متى بني هذا المسجد إنما بني حديثا من الدهر, ولقد سمعت بعض أهل العلم من أهل مكة يسأل عنه: أهذا مسجد إبراهيم خليل الرحمن, فينكر ذلك ويقول: بل مسجد إبراهيم القبيسي, لإنسان كان في جبل أبي قبيس.
فقلت لجدي: فإني سمعت بعض الناس يقول: إن إبراهيم خليل الرحمن حين أمر بالأذان في الناس بالحج, صعد على جبل أبي قبيس فأذن فوقه, فأنكر ذلك, وقال: لا, لعمري ما بين أصحابنا اختلاف.
إن إبراهيم خليل الرحمن حين أمر بالأذان في الناس بالحج قام على مقام إبراهيم, فارتفع به المقام حتى صار أطول من الجبال وأشرف على ما تحته فقال: أيها الناس أجيبوا ربكم. قال: وقد كنت ذكرت ذلك عند موضع ذكر المقام مفسرًا. تنتهى من تاريخ الأزرقي.
ولقد ذكر هذا المسجد ابن جبير الأندلسي في رحلته التي كانت سنة (578) من الهجرة, فقد قال عنه: (وفي أعلى جبل أبي قبيس رباط مبارك فيه مسجد وعليه سطح مشرف على البلد الطيبة ومنه يظهر حسنها وحسن الحرم -أي المسجد الحرام- واتساعه وجمال الكعبة المقدسة القائمة وسطه...إلخ.
ولقد ذكر هذا المسجد أيضا ابن بطوطة في رحلته, التي كانت سنة (725) من الهجرة, فقد قال عنه عند ذكر جبال مكة: (وبأعلى جبل أبي قبيس مسجد واثر رباط وعمارة, وكان الملك الظاهر, رحمه الله تعالى أراد أن يعمره, وهو مطل على الحرم الشريف وعلى جميع البلد, ومنه يظهر حسن مكة شرفها الله, وجمال الحرم واتساعه والكعبة المعظمة)...الخ.
وقال عنه في موضع آخر: إن أهل مكة من عادتهم أن يوقدوا المشاعل في أول ليلة من شوال, ويسرجون المصابيح والشمع على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان, وتوقد السرج في الصوامع من جميع جهاتها, ويوقد على سطح الحرم كله - أي سطح المسجد الحرام- ويوقد على سطح المسجد الذي بأعلى جبل أبي قبيس, ويقيم المؤذنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح) ...الخ.
ولا يخفى ان البناء الأول للمسجد غير باق, ولكنهم يجددونه كلما قدم عهده وتهدم, وقد ذكر المسجد أيضا المؤرخ الكبير الشيخ عبدالله غازي, المتوفى في عصرنا هذا في شعبان سنة (1365)هـ رحمه الله تعالى في تاريخه المسمى (إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام) نقلا عن تحصيل المرام, قال عنه ما يأتي:
وفوق جبل أبي قبيس مسجد مشرف على الكعبة المعظمة والحرم, بناه رجل هندي, كما اخبرني بذلك والدي سنة (1275) هـ, وكانت حجارته مرضومة في ذلك المحل, يقال انه مسجد إبراهيم وليس هو خليل الرحمن إنما هو رجل آخر. انتهى منه.
فعلم مما تقدم أن المسجد الذي بأعلى جبل أبي قبيس قديم يرجع عهده إلى القرن الأول ولا يزال محله معروفا, وإن تجدد بناؤه في كل عصر وزمن, ولا يزال هذا المسجد عامرا يصلى فيه إلى اليوم, وحوله على الجبل بيوت كثيرة يسكن الناس فيها.
التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم, محمد طاهر الكردي.
إضافة : تسمية المسجد بـ (بلال)!
عرف هذا المسجد في العقود القليلة المتأخرة قبل إزالته باسم (مسجد بلال) ولا يعرف سبب هذه التسمية ولا إلى من تنسب, كما أن بعض الناس نسبوه إلى الصحابي الجليل (بلال بن رباح) رضي الله عنه, وهذا مما لا شك فيه غير صحيح, لعدم وجود ما يثبت ذلك, وأن هذه التسمية لم ترد عند أحد من المؤرخين سالفا.
الموضوع من اعداد : بدر بدرة , معالجة الصور : حسن مكاوي
0 تعليقات