دبلول مكة

من أزقة مكة القديمة، التي مارس فيها طفولته ورسم من حجارها ملامح رجولته، صاغ عبدالله دبلول شعره ليؤرخ مكة أهل البيت بحاراتها وحكايات نسائها ورجالها وتفاصيل البيت المكي، ليسترجع معه المكيون «مين يتذكر أيام راحت زي السكر/ الهم ما يقدر يدخل بيوتنا فيها لو يتمنطر».


الدبلول الذي رحل في 7 رجب 1435هـ ,  رسّخ تفاصيل مكيّة لا يعرفها إلا من عاشها في محاولة منه ربما دون أن يدري لإحياء زمن مضى ويكاد يمضي معه القليل ممن بقي من نسائه ورجاله.

ولأن الخلود حلم عصي على التحقق جاءت الحروف لتساعده على وضع بصمة مروره من هذه الدنيا، إلا أن بصمات الدبلول في الذاكرة المكيّة تأبى إلا أن يكون حاضراً في ظل غيابه القسري عن برحات أزقة مكة الضيقة وفي سطوح بيت العيلة الذي وصفه «كان في سطوح/ وفسحة حلوة ترد الروح/ ياما اتلمينا فيها/ بصفا نية وقلب مشروح/ قليلنا كان يكفينا/ لقمة حلوة وهنية/ أوقية جبنة تعشينا/ وفتوت وحبة مقلية/ غدانا كان المتيسر/ ايّ معرق رز وخلاص/ وأمي تكسّر وتجبّر/ عشان نجيب لحمة راس».

عبر كلماته الخارجة من رحم المجتمع المكي بيومياته البسيطة، والتي لم تخرج من شرنقة العادي، أعاد الدبلول الكلمة الدارجة عبر صياغتها في قالب شعري مغلف بصوت رخيم وعفوية إلقاء وابتسامة يفتر عنها الثغر في إشارة واضحة للترحم على أيام كان يحكي عنها «كل حاجة كانت طعمة/ وكانت نفسنا قنعانة/ رغم الحرمان والقلة/ وكانت عيننا مليانة/ وكنا مخلينها فلة»، إلا أن الدبلول الذي ذاق طعم الأيام الجميلة لم تستثنه الحياة من تجرع مرارتها عبر معاناته مع المرض، وهو ما ذكره في آخر تغريدة له على تويتر في فبراير 2013 جاء فيها «أحبتي..أتمنى عليكم أن تكثروا من الدعاء لي فأنا أمر بظروف صعبة جداً وأغسل كليتي يومياً كل أربع ساعات هنا في شتوتجارت بألمانيا عسى أن يتقبل الله».

إلا أن المرض أبى إلا القضاء عليه بعد أن توقف قلبه ثلاث مرات قبل أن تُفضي روحه إلى بارئها في مستشفى سليمان فقيه بجدة.

الأستاذ الذي ترأس إدارة العلاقات العامة والإعلام بسابك ريد وود وعمل مديراً لكليات البنات بمكة التي أحبها حد الجنون وصاغ فيها كلمات عشقه وألهمته أزقتها بسيل من الذكريات لم يوقف جريانه إلا الموت ليُعيد الدبلول الذاكرة لبيت الجد «خبرني يا بيت جدي/ الله يرحم اللي بناك/ كيف حالتك بعدي/ ولا الزمن نسّاك».

أبو سلطان الذي رحل دون استئذان تاركاً وراءه إرثاً شعرياً واسماً يحمله ثمانية من الأبناء والبنات وذكريات قفشاته ومرحه بين أصدقائه ناهيك عن أخلاق الأستاذ الذي سكن جنبات الدبلول وجسّدها تعاملاً مع كل من عرفه عن قرب، سيظل حتما تذكره البيوت والأزقة الضيقة ولسان حالها يردد «نسمة حلوة جات في بالي/ يازقاق بيتنا القديم/ نعنشت بستان خيالي/ بريحة النبق والنيم/ لما كنّا صغار ودقة/ وكانت حارتنا طينة/ واحنا نلعب في الأزقة».

المصدر بتصرف  : صحيفة مكة ( أميمة الفردان )  1435/7/10هـ