جبل خندمة.. عندما تصبح الجغرافيا ذاكرة للتاريخ

تعد جبال مكة المكرمة جزءًا هامًا من ذاكرة البلد الحرام، ويعد جبل خندمة فى مقدمة تلك الجبال التاريخية والشهيرة بالمنطقة المركزية المجاورة للحرم الشريف.


يقع جبل خندمة في الجهة الجنوبية الشرقية من الحرم المكي في مكة المكرمة ويمتد في اتجاه طولي من الشمال إلى الجنوب بطول يتجاوز ثلاثة كيلومترات ويبلغ أدنى عرض للمنطقة في أقصى الجنوب 170م أما عرضه بالأجزاء الوسطى فيبلغ حوالى 800م، ويحد المنطقة من الشمال منطقتا الملاوي وشعب عامر ومن الجنوب جبل بخش أما من الشرق فتحدها مناطق جبلية مرتفعة ومن الغرب مناطق أجياد السد وأجياد وبئر بليلة وريع بخش. وتعتبر منطقة جبل خندمة من المناطق الجبلية الوعرة، حيث يصل الارتفاع في بعض أجزائها إلى حوالى 615م وتنحدر سفوحها الجبلية نحو الشرق والغرب بميول حادة تصل في بعض المواضع إلى 80% خاصة في الجزء الواقع بين الشمال والجنوب في المنطقة، ويوجد بالمنطقة عدد قليل من السكان بينما يخلو معظمها من التنمية العمرانية رغم قربها الشديد من الحرم.


ذاكرة المكان
وتشكل الجبال جزءًا هامًا من جغرافيا وتضاريس مدينة مكة المكرمة التي تقع في المنطقة الغربية من وطننا الغالي، وهي منطقة تُعرف بالدرع العربي وتعد من أقدم التكوينات الجيولوجية في المنطقة، حيث تسود صخور الجرانيت فيها.


ونقل الفاكهي من علماء القرن الثالث الهجري، في كتابه (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) والذي حققه الدكتورعبدالملك بن دهيش (يرحمه الله) عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: «ما مُطِرَت مكة قط إلا كان للخندمة عزه». وقال الفاكهي إن في ظهر الخندمة: المفاجر، وواحدها المفجر وفيها يقول الشاعر: «فبطن مكة اسقا فأسقا مُحسِّرًا.. فمزدلفات فالمفاجر».


كما ورد في كتاب («مناسك» وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة) لإبراهيم بن إسحق بن إبراهيم المتوفى سنة 285هـ والذي حققة الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله- أن مكة «بين جبلين بين أبي قبيس وقعيقعان ويتصل بأبي قبيس الخندمة».


أما عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي من علماء القرن الخامس الهجري والمتوفى سنة 487هـ فيقول في (معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع) إن الخندمة: بفتح أوله وإسكان ثانيه، بعده دال مهمله مفتوحة، ثم ميم: اسم جبل بمكة».


واعتبر الشاعر المكي الشهير أحمد بن إبراهيم الغزاوي - رحمه الله- صاحب «شذرات الذهب» أن الخندمة أحد أخشبي مكة أذ يقول «وهو على يمين الصاعد إلى منى وأحد أخشبي مكة.. ويقابله الثاني «قعيقعان» ولعله ارتأى ذلك لأن أبي قبيس جزء من سلسلة الخنادم مما قد يكون جعل خندمة في رأيه الأخشب الثاني لمكة المكرمة من قبيل إطلاق الكل على الجزء.


وفي أحد إصدارات نادي مكة الثقافي الكتاب الموسوم « مكة المكرمة في شذرات الذهب للغزاوي، دراسة وتحقيق لبعض المعالم الجغرافية» من اختيار وتصنيف وتحقيق كل من، الصديق الدكتور عبدالعزيز صقر الغامدي والباحث الدكتور محمد محمود السرياني، والدكتور معراج نواب مرزا، جاء أن الأصفهاني قال في كتابه «بلاد العرب» إن جبل يقال له الخندمة وفيه بنيان «مكة» منها شعب ابن عامر، ومنها «أجيادان» الصغير والكبير.. ومنها أبوقبيس».


ويورد الكتاب تعليق الشيخ الشاعر أحمد بن إبراهيم الغزاوي: كان معروفًا لأهل مكة في القرن الثالث الهجري. أما الآن فقد اقتصر إطلاق «الخندمة» على الجبل العالي المواجه «لثبير» في الأبطح على يمين الصاعد إلى منى فقط. وسمي ما وراءه إلى (وادي إبراهيم) بأسماء محدثة جديدة.


أما مؤرخنا المعاصر العلامة الشيخ عاتق بن غيث البلادي - رحمه الله - في كتابه «معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية»، فيقول الخندمة: بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال والميم ثم هاء: كما يخبرنا البلادي أن «أهل مكة يقولون: الخنادم - جمع- هي جبال مكة الشرقية، تبدأ من أبي قبيس شرقًا وشمالاً، في سفوحها الغربية والشمالية أحياء كثيرة من مكة مثل: شعب ابن عامر، والملاوي، والمعابدة، والروضة، ثم تمتد شرقًا حتى تفئ على حي العزيزية، وأخرها هناك جبل «الخيط» وكان آخرها من الشمال الشرقي يسمى «ثبير الخضراء». أما وسوقها وقريانها فشعاب وقمم ذات مجاهل وأوعار لا تكاد توطأ.


كما يذكر البلادي أن «أنفاقًا شقت اليوم عبر جبال الخنادم تدخل من عند المسجد الحرام وتخرج من «محبس الجن» بطرف العزيزية الغربي».


قصص الماضي والحاضر
وجبل خندمة الذي يشكل جزءًاً من ذاكرة تاريخ البلد الحرام يروي قصص الماضي، ويوضح كيف يمكن للجغرافيا أن تكون ذاكرة للتاريخ، والوصول لقمة الجبل فى أربعة عقود كان حلمًا لدى أهالي مكة كون الجبل معروف تاريخيًا ويحرص البعض على الصعود إليها لقضاء بعض الوقت فى نزهة هادئة ما أجملها في فترة العصر والنزول قبل المغرب، حيث تكون النسمات ساحره ومشهد مكة المكرمة ذو رونق خاصة من فوق هذا الجبل التاريخي .

مصدر الصوره : مدونة روبابيكيا صحافي ! للاستاذ عمر المضواحي

مصدر الموضوع : صحيفة المدينة تحرير - محمد رابع سليمان