مشوار د. صالح جمال بدوي

د. صالح جمال بدوي واحد من جيل الرواد الذين شقوا طريقهم في دروب الحياة بكفاح وصبر حتى نال أعلى الدرجات التعليمية من بريطانيا، نلتقيه في مشوار الذكريات ليحدثنا عن تجربته في مجالات التعليم العام والتعليم الجامعي والصحافة والإعلام.

النشأة والطفولة
ماذا تختزن الذاكرة عن مرحلة الطفولة؟
- ولدت في حي أجياد وتحديداً سطح قلعة أجياد في مكة المكرمة عام 1361هـ، أي إنني أبلغ من العمر الآن 74 عاماً في بيت العائلة وكان ملكاً لنا بصكوك عثمانية قديمة وهو مبني من الحجر والطوب ويتكون من ديوانين ومقعد ومؤخر في آخر المنزل وأمامه فسحة للطبخ إضافة للسطوح، وكانت تسكن في هذا البيت ثلاثة أسر؛ أسرتنا وأسرة أعمامي الاثنين، وكانت أسرتنا تتكون من خمسة إخوان توفي واحد منهم إلى رحمة الله وأختين وعندما كبرت العائلة وأصبح لدى كل واحد منهم عدد من الأولاد نقل عمي سراج إلى جدة ووالدي اشترى قطعة أرض صغيرة كانت مجاورة لمنزل العائلة وبني عليها دورين صغيرين سكنا فيه فترة إلى أن نقلنا من الحي وتغير الحال. وكانت المنطقة التي سكنا فيها مطلة على مطلعين مطلع يسمونه زقاق المطبعة لأن مطبعة الحرم كانت هناك كنا نطلع منها للجهة القريبة من ناحية أجياد والمطلع الثاني من مسيال المسفلة بالقرب من بيت الهرساني ومحمد سعيد العامودي.

من أبرز العوائل المكية التي كانت تسكن بجواركم في الحي؟
- كان من جيراننا أمين نيازي وعبدالكريم نيازي وعبدالرحمن مرشد ومحمد عبدالرحمن مرشد ومن الجهة الأخرى كان منزل بكار ويسمونهم بيت المغربي وبيت فكيرة محمد وعبدالعزبز وعبدالرحيم فكيرة، وآل النقراشي.

هل يمكن القول إن حي أجياد هو أرقى أحياء مكة المكرمة بصفته متاخماً للمسجد الحرام؟
- نحن كنا في أجياد القلعة أو الجبل وهو لم يأخذ سمعة بئر الحمام وأجياد السد، وأجياد بئر بليلة التي كان يسكن فيها كبار أهل البلد، لكن الحي مشهور باسم أجياد وكان حي أجياد يطلق إما على أجياد السد أو أجياد بئر بليلة ونحن كنا في أجياد القلعة الذي هو الحد الفاصل بين أجياد والمسفلة فإذا جئنا من المدخل الشمالي أو الشرقي نكون أكثر قرباً لأجياد وإذاجئنا من المدخل الجنوبي لجبل القلعة يكون مدخل مسيال المسفلة هو الأقرب الذي هو تحت القلعة ونحن يحدنا الجبل نفسه.

مكة زمان
وكيف كانت مكة المكرمة وقتها؟
- عندما كنت صغيراً أدركت الحياة بدون كهرباء كانت الإضاءة على الأتاريك والقمرية واللمبات وفي مرحلة لاحقة دخلت علينا الكهرباء الأهلية كهرباء الجفالي وهي شركة خاصة كنا نضيء بها الأنوار ونشغل المراوح وفيما بعد الثلاجة وهكذا وكان الماء يمثل مشكلة كبيرة لنا لأننا كنا نسكن في الجبل ولا يستطيع أي سقا أن يطلع الجبل بسهولة فكان الماء يكلفنا كثيراً؛ لأن فيه شيء من المشقة عند حصولنا عليه من بازان القبة، حيث كان السقا يطلع بالزفة ويصبها في الحنفيات.

وكيف كان الحال بالنسبة للأفراح والمناسبات؟
- كانت أكثر حفلات الأفراح تقام في الظهر وكان عامة الناس تقام أفراحهم في النهار أما الناس المقتدرون فكانت أفراحهم تستمر لمدة ثلاثة أيام ليلاً  ونهاراً وأكثرها بالليل، حيث السهر والسمر والطرب وفي الظهر يكون هناك غداء لخاصة الناس والأهل والأقارب أما الحفل الكبير فكان يقام في الليل وكانوا يسمون الليلة الأولى بليلة (الغُمرة)، والليلة الثانية بليلة (الدخلة) والليلة الثالثة بليلة (التعتيمة) وكان يقوم الأهالي بكل ما يتعلق بالفرح سواء كانوا من أقارب العروسين أو من الجيران فتجد بعضهم يتطوع برش الأرضية بالماء، والآخر بوضع الكرويتات الخشبية والفرش اللازم والمباشرة على المدعوين وهكذا، وكانت الناس تعتمد في أفراحها على الرفد لأن أحوالهم الاقتصادية لم تكن ميسورة دائماً.

مم كان يتكون الرفد؟
- من الخراف والأرز والدقيق والشاي والسكر والنقود حسب مقدرة كل واحد منهم لكن الشائع كان الرفد بالمواد التموينية وكنوع من التقدير لصاحب الرفد كان يرسل له ولأهله معشرة فيها طعام الغداء المكون من الأرز واللحم وبجوارها السمبوسك والطرمبة.

وكيف كان الوضع بالنسبة للأعياد؟
- في الأعياد لم تكن لدينا العادات التي كانت سائدة في بعض الحواير وبالذات الشامية والقرارة، حيث كان لديهم عادات واجتماعات؛ يلتقون ويتزاورون بينما لم يكن هذا متاحاً في المنطقة التي كنا نسكن فيها لأنها جبلية والسكان قليلون جداً ولم يكن فيها مساحات كافية للتجمع فكانت أعيادنا مع الأهل والأصدقاء وكان الواحد منا يركب خط البلدة إذا كان المشوار بعيداً بأربعة قروش، وما زال أغلب التنقل على الحمير والأحصنة والستات على عربة الكارو والفيتون.

ماذا تقصد بالفيتون؟
- الفيتون هي عربة الكارو ولكن من نوع أرقى قليلاً  وأنعم لأنها مصنوعة من الجلد وحركتها ناعمة ولينة قليلاً، أما عربة الكارو فغالباً ما تكون عجلاتها حديدية أو من الخشب الصلب ومتعبة في الركوب وكان تركبها النساء خاصة ويجرها حصان أو بغل وكان مركز تجمع عربات الكارو عند زقاق الحفرة فكنا نستأجر الفيتون من هناك إذا لدينا حفلة عند النساء، وكان الحج أيضاً على الجمال.

حجة على الجمال
هل حججت على الجمل؟
- نعم حججت وفي تلك السنة التي حججنا فيها على الجمل نزل مطر وبرد شديد ذهبت فيه ضحايا كثيرة، في تلك السنة.. حججت أنا والعائلة كلها المكونة من الوالدين وإخواني وأعمامي على الجمال وأصابنا ما أصاب الناس من التعرض للبرد والمطر، وأذكر في يوم عرفة أن الخيام كانت تطير من شدة الرياح والإنسان لا يستطيع أن يحتمي من البرد إلا إذا وضع على رأسه قبيساً أو غطاءً سميكاً لكن - سبحان الله- بقيت شقادف الجمال كما هي لم يؤثر فيها البرد ولا الهواء ولا المطر وكانت واقفة كما هي وهذه هي آخر سنة كان الحج فيها بالجمال، أما السنة التي بعدها فحججنا فيها على لواري.

ماذا كان عمل الوالد؟
- الوالد بدأ حياته في العمل بالخياطة خياطاً وكان لديه دكان في باب العمرة وكان يقوم بخياطة الملابس، كما كان يأخذ عن طريق العم عمر خياط والد الشيخ عبدالرحمن والأستاذ عبدالله عمر خياط الكاتب الصحفي المعروف خياطة ملابس بعض الأمراء لكنه ترك هذه المهنة فيما بعد والتحق بالعمل في عين زبيدة بمكتب توزيع المياه، وكان يتولى توزيع المياه على الأحياء أي يتولى تنظيم قفل وفتح المياه، وعين زبيدة هي الإدارة التي تتولى تنظيم شؤون المياه التي أوقفها الملك عبدالعزيز وأنشأها لوجه الله تعالى لإيصال الماء للبازانات والأحياء، 

وكانت هناك إدارة خاصة تسمى إدارة قسم توزيع المياه كان والدي يعمل بهذا القسم وكانت المياه وقتها قليلة لا تستطيع أن تغذي جميع الحواير في وقت واحد ولا سيما الحارات المرتفعة فلا بد أن تأتي فترة تقفل فيها المياه عن حي وتعطى حياً آخر كي تطلع المياه للجبل، حيث تكون قوة دفع المياه عالية وهذه كانت وظيفة هؤلاء (القسامين)، حيث كان والدي واحداً من هؤلاء واستمر في هذا العمل إلى أن وصل إلى وظيفة نائب رئيس القسم.

هل تعلمت مهنة الخياطة من الوالد؟
- لا، لأن والدي كان يعمل بهذه المهنة ونحن صغار قبل أن أصل إلى المرحلة الابتدائية.

جيل مكافح
لكن جيلك كان جيلاً  مكافحاً فهل كانت هناك أعمال زاولتها في تلك الأيام؟
- التربية كانت عند جيل الآباء والأجداد والقدماء تعتمد على تعويد الطفل على المسؤولية وعلى تحمل بعض المهام وليس شرطاً أن يكون الأب بحاجة لأن يقوم الابن بهذا العمل ولكن تعويداً له على الاعتماد على نفسه بالقيام ببعض هذه الأعمال، وبالنسبة لي فقد عملت منذ وقت مبكر في تطويف الطائفين وهو ما كان يسمى بـ (المرتزقة) كنت أطوّف بنفسي دون أن أتبع لجهة معينة.

ماذا تعني بالمطوفين المرتزقة؟
- المطوف المرتزق هو الذي يطلب فضل الله لأننا لسنا مطوفين أساساً لكن عمي كان وكيل حجاج بجدة وعملت عنده لفترة، وفي مكة عملت مع أصدقاء والدي وكانوا مطوفين للحجاج السرت من الهند فعملت عندهم في مواسم الحج لعدة سنوات كنت أقوم بالأعمال الكتابية والحسابية وأتولى تسجيل الجوازات وضبط الحساب إلى جانب خدمة الحجاج وكنت أسهر الليل كي أستقبل الحجاج، ومن ثم آخذهم للمسجد الحرام للطواف مبكراً، كما عملت عاملاً لمدة يوم واحد لأن جسمي غير مهيأ للعمل الشاق، حيث عملت مرة مع معلم كان عنده عمارة يبنيها فذهبت وعملت عنده أنا وابن عمي في الشامية وبعد أن عملت عنده يوماً واحداً قال لي أنت لا تصلح لهذا العمل بعدها أرسلني والدي للعمل عند صديقه وكان صائغاً وهو من أقاربنا من أبناء الشيخ عبدالقادر صايغ فكنت أذهب عنده لأتعلم النقش على النحاس وبعد عدة شهور تركت هذا العمل لأنه لم يناسبني.

وبعد العمل في الصياغة؟
- أذكر أنني عملت في صيفية من الصيفيات عند أحد أقاربنا عند الشيخ عبدالباري عبدالقادر صايغ بأمر من والدي وكنت وقتها ضعيفاً في اللغة العربية وكانت لهذا الرجل مكتبة عند بيوت العلاف في الشبكية اسمها مكتبة النهضة للتعليم بالتيسير للطبع والنشر وكان يبيع فيها المقررات الأجنبية للمرحلة الثانوية مثل كتب اللغة الإنجليزية والفرنسية المقررة، وكنت أتردد عليها وعندما يغيب الشيخ عبدالباري أجلس مكانه لأتولى عملية البيع وعندما يكون موجوداً كان يعلمني قواعد اللغة العربية وعلى يد هذا الرجل تحسنت علاقتي مع النحو وعرفت أشياء كثيرة، وأذكر في السنة الأولى من المرحلة الجامعية عملت في البلدية عندما كان رئيسها المرحوم الأستاذ عبدالله عريف.

ماذا كانت طبيعة عملك في البلدية؟
- كان لدى الأستاذ عبدالله عريف مبلغ متوافر في الميزانية هو أربعون ألف ريال فاستقطب مجموعة من طلاب المدارس وبعض طلاب الكليات وكنت أنا واحداً منهم، حيث شكلوا منا فرق عمل كل فرقة مكونة من أربعة أو خمسة طلاب وعليهم رئيس عادة ما يكون هذا الرئيس هو أعلاهم تعليماً وكان هؤلاء يدورون على الحواري كلها ويكتبون مقاييس الأطوال وحالات الشوارع الرئيسة فيها وكنت أنا رئيساً في مجموعتي فكنا نأتي للشارع الرئيسي ونمتره طولاً  وعرضاً ثم نأتي للشوارع المتفرعة من الشارع الرئيسي ونمترها طولاً  وعرضاً ونكتب حالتها والوضع الذي هي عليه هل فيها إنارة أم لا؟ وهل فيها أرصفة أم لا؟ وكنت مسؤولاً عن فرقة حي الزاهر والنزهة والزهراء، وإذا لدى الواحد منا أية ملاحظات يكتبها وكان عبدالله عريف يجتمع بنا ويعطينا تعليماته ثم يحيلنا للمهندس المشرف واسمه خورشيد الذي كان رئيسنا المباشر والمسؤول عن شؤون البيئة.

في جريدة «الندوة»
ما الذكرى التي ما زلت تذكرها عن المرحوم عبدالله عريف؟
- عملت مصحح بروفات في الندوة، حيث كنت أطابق التجارب الطباعية بالأصل عندما أصبحت في بداية عهد المؤسسات وكان رئيساً لمجلس الإدارة ورئيساً للمؤسسة، وكان حسين زيدان - رحمه الله- قد تولى رئاسة تحريرها لعدة شهور ولم يكمل العام وجاء بعده الأستاذ حامد مطاوع - رحمه الله- مدير عام الإدارة ومكلفاً بالتحرير.

كم كانت المكافأة؟
- كانت 300 ريال، وأذكر من الذين عملوا معي بهذا القسم قسم التصحيح الأستاذ عبدالكريم نيازي - رحمه الله- في تصحيح البروفات وكان رئيساً للقسم ثم جاء بعده الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي رئيساً لقسم التصحيح وهو زميل دراسة ثم جاء بعده سباعي عثمان - رحمه الله- وقضى مدة طويلة في الندوة.

من أبرز الصحفيين في الندوة الذين زاملتهم؟
- الذين عملوا في الندوة في أول عهدها الكتاب الأوائل لندوة الأفراد وحراء مثل: محمد محمود حافظ وعبدالله الداري ويحيى مطهر وكانت الطباعة على اليونوتايب الذي يخرج السطر كاملاً  مصبوباً بالرصاص في مطابع الشيخ صالح جمال - رحمه الله-، حيث كانت تطبع الصفحات الرئيسة كالأولى والثانية والأخيرة في مطابع الثقافة التابعة للشيخ صالح جمال وكانت هي المكتب الرئيسي للجريدة أما الصفحات الداخلية وعددها أربع صفحات فكانت تطبع في مطبعة قريش التابعة للشيخ أحمد السباعي - رحمه الله- وكان يذهب المندوب قبل منتصف الليل لمطبعة قريش (الندوة سابقاً) بالسيارة ويأخذ الصفحات الداخلية من حي البيبان ويحضرها لحي الزاهر، حيث المكتب الرئيسي في دار الثقافة.

متى بدأت علاقتك بالندوة؟
- بدايتي الحقيقية بدأت من عام 83 من تاريخ بداية المؤسسات الصحفية كمصحح، وأيام الأفراد كنت أراسل وأكتب عن بعد وبعد العمل في التصحيح عينت محرراً للتحقيقات ثم رئيساً لقسم التحقيقات والأخبار المحلية في عهد الأستاذ حامد مطاوع واستمررت في هذا العمل إلى أن جاءت بعثتي عام 88 ولكنهم سبقوني في الاستغناء عن خدماتي مع خمسة زملاء آخرين منهم قبول الجهني وفهد بن خميس نتيجة للخلاف بين الإدارة والتحرير بحجة توفير المصروفات وكان القرار تعسفياً على غير إرادة من التحرير، وكان المدير العام وقتها معالي الدكتور حامد هرساني ثم جاء بعده الشيخ عبدالرحمن فقيه مديراً عاماً للمؤسسة واستلمت مستحقاتي بعد أن حكمت لي محكمة العمل والعمال بصرفها وبعدها سافرت للبعثة.

مراحل الدراسة
ما دمنا قد وصلنا للبعثة فماذا عن مراحل الدراسة؟
- أول دراسة لي كانت في كتاب الشيخ عاشور في دكة باب زيادة وكنا نكتب على اللوح الخشبي بالحبر الشيني وفي نهاية الدرس نغسله بالمضد من خلال حنفية كانت في وسط الحرمل كي نكتب عليه الدرس الثاني وهكذا، ثم التحقت بالمدرسة العارفية في المسفلة وكانت عبارة عن روضة أطفال أو تحضيري وابتدائي فدرست فيها التحضيري سنة واحدة من الابتدائي ثم انتقلت لمدرسة الفلاح، حيث وضعوني في السنة الثانية الابتدائي وبها أكملت المرحلة الابتدائية.

وبعد الابتدائية؟
- التحقت رأساً بالمعهد العلمي السعودي وكانت الدراسة به خمس سنوات متوسطة مع ثانوية وشهادته تعادل الثانوية وكان كله أدبي لكننا كنا ندرس فيه مقررات الحساب والجبر والهندسة وكان المنهج موحداً، وأذكر من زملائي به نعمان طاشكندي - رحمه الله - وعبدالرحمن هوساوي وآخرين.

لماذا اتجهت للمعهد العلمي السعودي تحديداً؟
- لأن والدي كان يريدني أن أتخصص في الشريعة وأحسن الطرق للوصول إلى كلية الشريعة هو المعهد العلمي السعودي.

وهل التحقت بكلية الشريعة فعلاً  نزولاً عند رغبة الوالد؟
- التحقت في البداية في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في أول سنة تنشأ فيها الجامعة أيام الملك سعود عندما كان مديرها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله- لكني لم أستمر، حيث تركت الدراسة بعد عشرة أيام من التحاقي بها.

لماذا تركت الدراسة في الجامعة الإسلامية بعد عشرة أيام من التحاقك بها؟
- لأنه لم يناسبني الحال ولم أنسجم في الدراسة لأن الجامعة كانت ناشئة ولم يكن بها أساتذة على مستوى بينما كان لدينا في الفلاح والمعهد العلمي السعودي أساتذة على مستوى عالٍ من التأهيل أما في الجامعة الإسلامية فكان جهاز التدريس حديث النشأة في تلك الفترة ووقتها سمعنا عن إنشاء كلية الشريعة والتربية بمكة وكانت كلية التربية قد أنشئت سنة 72 باسم كلية المعلمين ثم استمرت إلى 77 ثم أقفلت وفي عام 69 أنشئت كلية الشريعة وفي عام 82 أعيد إحياء كلية المعلمين باسم كلية التربية وأنشئت ما يسمى بكلية الشريعة والتربية فالتحقت بها في أول سنة تنشأ فيها، حيث التحقت بكلية التربية التي كان عميدها وقتها الأستاذ عبدالله بغدادي وكان قسم اللغة العربية الذي التحقت به قد أنشئ بها لأنه كان موجوداً أصلاً  في كلية المعلمين التي أنشئت عام 72.

لماذا غيرت اتجاهك من الشريعة إلى اللغة العربية على غير رضا الوالد؟
- لأنني بدأت أميل للغة العربية وأعشقها وأقرأ الكتب والروايات والوالد لم يعترض لأن الشريعة قريبة من اللغة العربية ودرست إلى أن تخرجت منها ضمن أول دفعة تخرجت من هذه الكلية، وقد تخرج معي بنفس الدفعة محمد إسماعيل جوهرجي والدكتور عبدالله محمد الزيد، وعبدالرحمن الجماز، ومحمد علي مغامس، ومحمد علي داغستاني، وأحمد عزيز الرحمن ومن زملائي في الكلية السيد عبدالهادي كتبي، ونعمان طاشكندي «رحمه الله».

وبد التخرج من كلية التربية؟
- بعد التخرج نقل القسم إلى كلية الشريعة وكل الذين تخرجوا في الدفعات التي بعدنا تخرجوا من كلية الشريعة بما فيهم معالي الدكتور راشد الراجح فبعد أن تخرجت تعينت مدرساً في مدرسة أبو بكر الصديق بالمدينة المنورة في شارع السحيمي بالسنبلية بعدها بشهر نقلني إلى مدرسة الإمام علي في سلطانة أكملت فيها بقية العام وفي آخر العام نقلت إلى مدرسة الفلاح بمكة المكرمة التي كنت طالباً فيها وزاملت فيها أساتذتي وبعدها بعدة شهور طلبت نقلي إلى مكان آخر.

لماذا طلبت نقلك من الفلاح؟
- لأنني كنت أعمل في المساء بالندوة فخشيت أن يؤثر جمعي بين التدريس والعمل بالجريدة على مستوى أدائي التدريسي في الفلاح وتم توجيهي إلى معهد المعلمين الذي كان يدرس فيه خريجو الابتدائية وكان وقتها قد ألغي هذا المعهد وبقي تصفية سنة ثانية وثالثة إلى أن يتخرجوا ويقفل المعهد ويبقوا على المستوى الثانوي فلم أكمل العام نظراً لأنني واجهت بعض المتاعب مع إدارة المعهد وهذا جعلني أسعى وراء الابتعاث وعندما علمت بحاجة كليتي الشريعة والتربية إلى معيدين تقدمت وقبلت كمعيد ضمن من قبل بقسم اللغة العربية ومنهم الدكتور عبدالله بن محمد الزيد وعبدالرحمن الجماز وغيرهم.

بعثة إلى بريطانيا
وبعد التعيين كمعيد؟
- عملت معيداً لمدة عام ثم ابتعثت إلى بريطانيا وأول سنة كانت سنة لغة في الجنوب، أما زملائي فقد توزعوا بعضهم ذهب إلى أمريكا وبعضهم إلى بريطانيا في جهات متعددة كعبدالله الجربوع، ومحمد السديس، وعبدالعزيز الهلابي وعليان الحازمي، وبعد سنة من دراستي للغة ذهبت إلى مانشستر، حيث التحقت بجامعتها جامعة مانشستر وأخضعت في البداية لاختبار القدرة على البحث؛ لأن شهاداتنا الجامعية لم تكن معروفة لديهم فأخضعونا لسنة تجريبية كشرط لقبولنا فإذا اجتزناها سمحوا لنا بالتسجيل في الماجستير فدرسنا هذه السنة وفي آخرها قرروا علينا امتحاناً في التاريخ الإسلامي وتقديم بحث في موضوع من مواضيع هذا التاريخ فقدمت بحث عن حركة التشيع نشأتها والملابسات التاريخية التي تمت وبعد طلوع النتيجة قبلت وسجلت للماجستير.

ماذا كان عنوان رسالة الماجستير؟
- كانت عن تحقيق كتاب عنوانه (رأس مال النديم) وهي مخطوطة من القرن الخامس ألفت في تأهيل النديم وجلساء الخلفاء والملوك من الناحية الثقافية مثلها مثل كتاب لطائف المعارف للثعالبي والمعارف لابن قتيبة أي الكتب التي تؤلف لهذا الفريق الذي يتولى مجالسة ومسامرة السلاطين فسجلتها كي أتولى تحقيقها ودراستها مع التعليق وعمل ملخص لها بالإنجليزية وبعد ثلاث سنوات عرضوا عليّ أن يرقوا لي رسالة الماجستير نفسها إلى دكتوراه؛ وبالفعل مكثت سنتين بعد الثلاثة السنوات الأولى لأن التحقيق متعب ويأخذ وقتاً أطول وأحياناً يكون أصعب من التأليف لأنك مضطر لأن تتعامل مع النص الذي أمامك حرفياً وكما ألفه صاحبه وفي آخر عام ١٩٧٥م حصلت على دكتوراه الفلسفة في الأدب العربي من جامعة مانشستر في إنجلترا.

وإلى أين كانت العودة؟
- كانت لجامعة الملك عبدالعزيز شطر مكة وكان عميد كلية التربية معالي الدكتور عبدالعزيز خوجه وعميد كلية الشريعة معالي الدكتور راشد الراجح وكان تخرج قبلي من جامعة كيمبردج وعندما رجع أصبح عميداً لكلية الشريعة أما أنا فعينت على وظيفة (مدرس).

كم كان أول راتب تقاضيته؟
- عندما عدت بالدكتوراه كنت أستلم راتبي نفسه عندما كنت معيداً وهو ألف وسبعمائة ريال ثم بعد سنتين تحسن الراتب ووصل إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال.

ما أبرز المناصب التي تقلدتها؟
- عندما عدت كانت عودتي في وسط العام الدراسي ولم يكن لدي جدول وكان معالي الدكتور راشد الراجح قد أعطاني مكتباً بجواره عندما كان عميداً لكلية الشريعة ثم أسند إلي مهمة الإشراف على الرحلات الجامعية للطلاب وفي ذلك العام نظمت عدة رحلات علمية منها رحلة جامعية لطلاب الدراسات العليا إلى اليمن، ورحلة أخرى إلى مصر وثالثة إلى المغرب ورابعة إلى الأردن وتركيا نظمها الدكتور محمد العروسي إلى جانب جدول يسير في قسم اللغة العربية وفي عام ١٣٩٧هـ انتخبت رئيساً لقسم اللغة العربية خلفاً للدكتور عليان الحازمي الذي أصبح عميداً لكلية الشريعة فعملت رئيساً للقسم لمدة خمس سنوات وعندما أنشئت جامعة أم القرى واستقلت عن جامعة الملك عبدالعزيز وتحولت أقسام كلية الشريعة وكلية التربية إلى كليات عينت وكيلاً  لكلية اللغة العربية واستمررت نحو تسع سنوات وكيلاً  للكلية إلى جانب الجدول الدراسي ثم عملت مكلفاً لعمادة كلية اللغة العربية من قبل معالي الدكتور راشد الراجح وبعدها تركت العمادة وأخذت جدولي وأصبحت متفرغاً للتدريس وفي عام 1411هـ أصبحت عضواً بمجلة الجامعة كعضو هيئة تحرير ثم رئيساً للتحرير بمسمى أمين عام مجلة جامعة أم القرى ثم توليت إدارة مركز بحوث اللغة العربية لمدة ثلاث سنوات.

مركز بحوث اللغة العربية
ما أبرز ما قدمته لمركز بحوث اللغة العربية في هذه الفترة؟
- وفقني الله مع الدكتور خليل عساكر وآخرين في البدء في موسوعة الشعر العربي كأول مشروع ولكن للأسف لم يقدر له أن يستمر ووضعنا له خطة عمل زمنية مرحلية حيث أنجزنا طبع جزء من الموسوعة في ثلاثة عشر ألف بيت مع إعداد أكثر من مائة ألف بيت كانت جاهزة للإدخال في أجهزة الكمبيوتر ثم بدأ العمل يقل قليلاً  قليلاً  ولا يسير بنفس النشاط كما كان عليه في بدايته وفي هذه الفترة ظهرت موسوعة (العريس) عن طريق جهات أخرى تجارية من خارج الجامعة وهي موسوعة للشعر العربي.

ما الفرق بين موسوعة الشعر العربي التي عملتموها وموسوعة العريس؟
- إن الأول أي الذي عملناه موثق أكثر وفيه مزايا عديدة تعطيك بيت الشعر الذي قبله والذي بعده والشاهد الذي تريده واختلافات القراءة والمصدر مع الضبط بالشكل بينما العمل الثاني تجاري، ثم أصبحت بعدها رئيساً لتحرير النشرة الجامعية (منار الجامعة) لمدة ثلاث سنوت تقريباً إضافة إلى جدولي الدراسي ثم عينت عميداً للكلية باليقين لأنه لم يعد هناك انتخابات واستمررت في هذا المنصب من عام 1419هـ إلى أن تقاعدت عام 1423هـ وبعدها تم تمديد خدمتي لمدة خمس سنوات، والطريف في الموضوع أنني وزملائي الذين مددوا لنا تمديد الخدمة هذه كنا نعطي الدولة من رواتبنا.

كيف؟
- الذي حصل هو أنهم كانوا يستقطعون منا 9 % للتقاعد بعد أن أحلنا للتقاعد وهو المبلغ المستحق للتقاعد أثناء التمديد، وعندما انتهى التمديد وأحلت للتقاعد فعلاً  وتركت التمديد توافر لي المبلغ الذي كان يستقطع مني ومثلي بقية الزملاء وهذا الإجراء لم يكن في محله لأننا أكملنا الأربعين عاماً في الخدمة فلماذا يستقطعون منا مبلغ التقاعد، ثم إنني عندما رجعت بالدكتوراه عملت أيضاً محرراً ثقافياً مع جريدة الندوة إلى جانب عملي أستاذاً في الجامعة، 

وكنت مسؤولاً عن العدد الأسبوعي الثقافي الذي كاني يصدر كل يوم خميس إلى أوائل عام 1404هـ، حيث اتجهت إدارة التحرير إلى إيقاف الملحق وتوزيع زواياه على أيام الأسبوع فلم يناسبني الوضع فتركت ومشيت، وبعدي بسنتين ترك الأخ محمد الحساني العمل وبعده بفترة ترك الأستاذ حامد مطاوع أيضاً في الجامعة. عملت كذلك مراجعاً لغوياً بمكتب معالي مدير الجامعة من عام ١٤١٧ حتى عام ١٤٣٠هـ، كما شاركت في تطوير مناهج متطلبات الجامعة، وفي تنظيم عدد من المؤتمرات والندوات، كما عملت عضواً في لجنة معادلة الشهادات وعضواً في لجنة دراسة وتحليل البرامج والأنشطة كافة المرتبطة بأهداف وسياسات الجامعة في خطة التنمية الرابعة 1404هـ.

وما أهم الأعمال والأنشطة التي قمت بها خارج الجامعة في خدمة المجتمع؟
- عملت خبيراً باللجنة العالمية لمجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في الفترة من 1422 - 1425هـ، كما عملت مستشاراً ثقافياً غير متفرغ بالرابطة من عام 1427هـ حتى عام 1432هـ وعضواً عاملاً  بنادي مكة الثقافي الأدبي وكنت أقوم بإدارة وتقديم محاضرات وأمسيات بالنادي وأحكم الأعمال المقدمة للنشر منذ عام 1397هـ إضافة إلى عضوية هيئة تحرير مجلة البلد الأمين بالنادي ومكة الثقافية وكذلك شاركت وألقيت بعض المحاضرات في موضوعات ضعف الطلاب في اللغة العربية والعولمة والحركة العلمية والثقافية بمكة المكرمة.

قصة زواجك
ننتقل للحديث عن قصة زواجك كيف تمت وهل كان لك دور في هذا الاختيار؟
- عندما سافرت إلى بريطانيا قضيت السنة الأولى في اللغة وأنا أعزب وأثناء وأنا هناك كتب لي والدي قائلاً  توجد عائلة فلان خطبوك لابنتهم أعطنا رأيك وكنت أعرف هذه العائلة تماماً فوافقت وكتبت لوالد البنت قلت له أتشرف بهذا النسب وأنتم أناس الواحد يفخر بكم وأكملت تلك السنة في مانشستر ورجعت وأنا مجهز نفسي لأن أدخل القفص ولكني وجدت أن الموضوع قد تغير.

ماذا حصل؟ ولماذا هذا التغير؟
- الذي حصل هو أن والدي غير رأيه دون أن يحصل أي خطبة، كان الموضوع كله مجرد كلام وكان ذلك قبل أربعين عاماً، وسارت الأمور وعندما قربت أن أرجع كلمت أناساً من معارفنا ووافقوا فتم زواجي بابنة إسماعيل داغستاني وكان والدها قد توفي لكن أعمامها كانوا موجودين.

وأنا الذي اخترتها أذكر في تلك الأيام أنني وسطت الشيخ زكي داغستاني كي يخطبها لي مع أني لم أكن قد رأيتها إلا بعد أن عزمت، حيث رأيتها الرؤية الشرعية على طريقتنا أيام زمان، حيث دفتها إحدى قريباتها قليلاً  وهي في الدرجة كي أراها عندما تقدمت لأخطبها فقال لي الشيخ زكي أعطني فرصة لآخذ رأي والدك فقلت له خذ الوقت الذي يناسبك فذهب لوالدي وقال له صالح طلب مني كذا فقال له توكل على بركة الله وأراد الله وخلال خمسة عشر يوماً تمت الخطبة والملكة والدخلة، حيث أقمنا الفرح في جدة لأنهم من أهل جدة، حيث أقمنا الفرح في منزل عمي - رحمه الله- وهم أقاموا فرحهم في بيت عمتهم بجدة، وكانت تحمل الإعدادية وأكملت بعدها الثانوية وتوقفت عند هذه المرحلة وبعد الزواج ذهبت للمدينة المنورة يوماً واحداً ثم سافرت إلى بريطانيا لإكمال دراستي للدكتوراه.

من أبرز الشخصيات التي أجريت معها أحاديث صحفية؟
- أنا لم أكن مندوباً ميدانياً لكنني كنت غالباً محرراً داخلياً، وأذكر أنني غطيت العديد من المناسبات منها أعمال التطوير والتوسعة والإزالة في المدينة المنورة عندما كان أمين مدينة المدينة المنورة عبدالمحسن الفضائلي، حيث غطيت أنا والأستاذ نعمان طاشكندي - رحمه الله- على مدى سبعة أيام في سبعة حلقات وكان وقتها هناك دعم هائل من الدولة لتنمية المدينة المنورة، كما غطيت زيارة الرئيس الأمريكي كارتر أثناء زيارته للمملكة لجريدة الندوة في الفترة من 22 - 25 من عام 1398هـ وكانت أول تجربة لي في تغطية مؤتمرات على هذا المستوى في عمل دائب وسريع أقابل فيه أمراء وملاحقة للمسؤول والمتحدث الرسمي، كما غطيت ندوة ملكية في الرباط.

ماذا عن هذه الندوة الملكية التي غطيتها في الرباط؟
- هذه الندوة غطيتها في الرباط أيام الملك الحسن عن البوليساريو وكان جلالته قد دعا لها صحفيين من كل أنحاء العالم العربي وأوروبا وأمريكا فذهبت ممثلاً  عن جريدة الندوة وعن رابطة العالم الإسلامي وكانت هذه الندوة أيضاً أول تجربة لي في تغطية حدث على هذا المستوى مثل سابقتها وبهذا الحجم وعندما عدت منهكاً أردت أن آخذ إجازة كي أرتاح قليلاً  ولكن رئيس التحرير لم يمهلني بأن أرتاح لبعض الوقت فكتبت لأن تغطيتنا كانت سهلة لأنه لم يكن هناك تفرد لأننا أخذنا التغطية من الوكالة أو بالشراكة معها لكن الزيادة في الملاحظات الجانبية أو التعليق على خطاب الملك فعملت تعليقاً سياسياً في الليلة نفسها التي رجعت فيها ركزت فيه على أن الملك كان يركز على الأيديولوجية وراء هذا الحدث بسبب إصرار البوليساريو على الاستقلال والانفصال بسبب حركة أيديولوجية نتيجة للتأثيرات الفكرية العالمية في تلك الفترة.

ما الذكرى التي ما زلت تذكرها عن تلك الفترة أثناء عملك في الندوة؟
- أذكر أننا كنا نقوم برحلات جماعية منها أننا ذهبنا إلى جزيرة الواسطة وجزيرة سعد في وسط البحر مع عدد كبير من المحررين والكتّاب ومنهم الكاتب الساخر أمين سالم رويحي أبو حياة وكان لديه وقتها زاوية يومية وصفحة أسبوعية إضافة إلى عيسى خليل سكرتير التحرير المسؤول عن الأخبار السياسية وكانت رحلة جميلة قضينا فيها النهار والليل وكررناها مرة أخرى مع كلية التربية.

ما أحرج موقف مررت به أثناء عملك في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة؟
- كدت أن أقع في موقف حرج مرتين ولكن بفضل الله ثم بفضل الناس عليّ تداركت الموقف قبل حدوثه فمرة من المرات عندما كنت مسؤولاً عن قسم التحقيقات بجريدة الندوة ذهبت لتغطية مناسبة وهي مدّ مدينة جدة بخط مياه من خليص وكانت رحلة شاقة لأن المسافة بعيدة والطريق ممل وكان معنا مندوبون من الصحف كافة فلم نغطّ الحدث إلا ونحن متعبين جداً وفي آخر الجولة اتفقنا مع بقية الزملاء مندوبي الصحف بألا ننشر أي شيء عن هذه المناسبة في اليوم التالي بحيث يتم النشر في اليوم الثالث في وقت واحد فعدت للجريدة وأنا متعباً ومرهقاً فصارحت سكرتير التحرير الأستاذ عيسى خليل - رحمه الله- وقلت له ترى أنا اتفقت مع جميع الزملاء في الصحف الأخرى بألا ننشر شيئاً عن هذه المناسبة غداً وإنما يتم النشر بعد غد للتغطية فقال لي انتبه ترى هؤلاء يمقلبوك وأنت ليس لديك هذه الخبرة يا الله قم واكتب بسرعة أي شيء.

وهل صدقت توقعاته؟
- نعم صدقت فقمت أنا وأعدت صفحة كاملة بالصور والتغطية وفوجئت في اليوم الثاني بأن جميع الصحف نشرت التغطية كاملة وكان كلامهم لي نوعاً من التهريج البكش فحمدت الله الذي أنقذني من هذه الورطة ولم يذهب تعبي سدى.

وماذا عن الموقف الآخر؟
- الجمع بين وظيفتين شيء متعب فأنا كنت أطلع من الجريدة الساعة الواحدة والنصف ليلاً  أثناء الطباعة الرصاص فالمحرر لا يكتفي بإعداد المادة، بل لا بد أن يقف على إخراج الصفحة ويعمل لها موكيتها ويقف على تنفيذها على أرض الواقع فمرة من المرات عدى عليّ خبر وكنت وقتها متعباً ومنهكاً كنت قد قرأته لكنني لم أركز فيه مع التعب والدوخة وأجزته للنشر فنشر مشوهاً وبه أسماء شخصين من أعلام العرب من المؤلفين نشرت خطأ وكأني لم أقرأه وبعد ثلاثة أيام جاء لرئيس التحرير تعقيب من شخصية أدبية كبيرة في البلد يقول فيه أنا أعجب من المحرر كيف أجاز هذا الخبر وكيف يغلط في أسماء شخصين من الأعلام الكبار لا يعرف أسماءهم الحقيقية، فأحال إليّ رئيس التحرير الأستاذ حامد مطاوع خطاب التعقيب دون أن يقول لي شيئاً لكني تألمت كثيراً لما حدث، لكن هذا الموقف يوضح لك كيف كان كبارنا على درجة عالية من الخلق فإذا عملت خطأ يعطيك فقط إشارة كي تنتبه في المرات القادمة دون مساءلة.

ما القرار الذي اتخذته وندمت عليه؟

- عندما زاحمت في تلك الفترة من كان يقدم برنامج الأطفال في التلفزيون السعودي، والحقيقة هي أنني لم أكن مؤهلاً  للقيام بهذا العمل ولم أكن أستطيع القيام به لأنني كنت في النهار مدرساً وفي المساء محرراً في صحيفة الندوة، ولم يكن لدي وقت ومع هذا غامرت وزاحمت في هذا الموضوع أيام إدارة الأستاذ محمد حيدر مشيخ، حيث زاحمت من كان يقدم هذا البرنامج، وكانوا قد فتحوا الباب أمام الجميع فدخلت مع من دخل ولكني بمنتهى الصراحة والوضوح لم أستطع الاستمرار لأكثر من ثلاثة أو أربعة شهور وتوقفت من تلقاء نفسي بسبب عدم وجود الوقت وفي الوقت نفسه عدم وجود الاستعداد لديّ  للتعامل مع الأطفال.

المصدر : مجلة اليمامة