الملا : ولد في أسرة مكية توارثت شرف نداء الحق لـ 200 عام
ولد في سوق الليل بجوار المسجد الحرام، من أسرة تمتهن صياغة الذهب والفضة، ونالت شرف الأذان بالمسجد الحرام بالتوارث لأكثر من 200 عام. ابن أسرة مكية شهيرة امتهنت الأذان، فوالده وأجداده كلهم مؤذنون في المسجد الحرام، تأثر بهم فنال هذا العمل الشريف، إنه كبير مؤذني المسجد الحرام الشيخ علي ملا، صاحب الصوت الندي الذي يسحر الألباب، ونال بسببه لقب «بلال الحرم المكي» خلال مشاركاته الخارجية.
غطى أذانه الذي يصدح من منارات الحرم المكي وتردده جبال مكة وأوديتها الآفاق، وبه أعلن افتتاح مساجد في أوروبا والولايات المتحدة، ورث الأذان عن جده وأبيه، وعرفه القاصي والداني، وتغلغل حب الأذان فيه إلى أن وصل إلى سويداء قلبه، معلما متقاعدا في التربية الفنية، وناهز السبعين من عمره، يصعد إلى «المكبرية» بهمة الشباب وعزيمتهم، ويهبط منها لابسا ثوب الوقار. وفي هذا الحوار الخاص يروي الشيخ الملا عن نشأته، ومساهماته في افتتاح بعض المراكز الإسلامية في الخارج، والمواقف الطريفة التي لايزال يتذكرها وكذلك هواياته، وهذا نص الحوار:
مدرسة الرحماني
• أين نشأ الشيخ الملا؟
•• نشأت في سوق الليل بمكة المكرمة - أحد الأحياء الملاصقة للمسجد الحرام - وهذا أدى إلى شدة تعلقي بالحرم المكي، فصعدت منارة «باب المحكمة» بالحرم مؤذنا، وأنا في الرابعة عشرة من العمر.
• والدراسة الابتدائية في أي مدرسة كانت؟
•• درست الابتدائية في مدرسة «الرحمانية» وهي أقرب مدرسة للحرم، وهذه المدرسة مضى على إنشائها حاليا قرابة الـ 100عام، وقد كانت في بداياتها عبارة عن بيت يشرف عليه معلمون أو معلمات من أهل مكة.
• هل التحق الشيخ الملا بالكتاتيب في صغره؟
•• قبل دخولي المدرسة التحقت بالكتاتيب في المسجد الحرام، ودرست في حلقة الشيخ عاشور، الذي كان يقوم بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم الخط والحساب والحروف الهجائية، وعندما التحقت بالمدرسة كنت أجيد القراءة والكتابة والحساب، ولا زلت أذكر الهدية التي حصلت عليها عندما تفوقت عند الشيخ عاشور، وهي عبارة عن قلم رصاص «مرسام» ومعها حلاوة، وكنا وقتها نكتب على الألواح بالقلم البوصي، ومن هنا تعلقت بالفن والخط الجميل والرسم، وقد ساهم ذلك في توجهي في مستقبلي إلى تعلم التربية الفنية.
شرف واعتزاز
• هل كان والدك مؤذنا ومن هنا تأثرت به؟
•• نعم.. كان والدي مؤذنا وكذلك جدي، وهذا مصدر شرف واعتزاز لي.. لذلك كان المناخ مهيأ لي، فالبيئة التي نشأت فيها ساعدتني على الدخول في هذا المجال الشريف، إضافة إلى رغبتي وهوايتي الموجودة، فصعدت منارة «باب المحكمة» بالحرم مؤذنا، وأنا ابن أربعة عشر ربيعا، كان وقتها لكل عائلة منارة خاصة بها، وكانت منارة «باب المحكمة» خاصة بأسرتي، وفي تلك الفترة كانت عملية تنظيم الأذان داخل الحرم ملقاة على عائلة تدعى «بيت نائب الحرم»، فهي المسؤولة بتكليف رسمي من وزارة الأوقاف عن المؤذنين في الحرم.
العزيزية الثانوية
• بعد إكمالك للمرحلة الابتدائية أين كانت وجهتك؟
•• بعد إكمالي للمرحلة الابتدائية وهدم مدرسة الرحمانية انتقلت لدارسة المرحلة المتوسطة في سوق المعلاة، وقضيت عاما دراسيا، ثم انتقلت إلى مدينة جدة ودرست في مدارس الثغر النموذجية، وأذكر من زملاء الدراسة الشيخ محمد فدا، حسان زبيدي، أبناء جمال والقستي وغيرهم مما لا تحضرني أسماؤهم الآن، ولم أستمر طويلا في هذه المدرسة، حيث عدت إلى مكة المكرمة وأكملت المرحلة المتوسطة فيها، بعدها انتقلت إلى «القشاشية» وكذلك المدرسة العزيزية الثانوية، وكانت تقع في حي العزيزية والتي كان يطلق عليها في الماضي «حوض البقر»، وكان يدير المدرسة الشيخ محمد الشبل.
معهد التربية
• هل واصلت الدراسة بعد مرحلة الثانوية وأين؟
•• كانت لدي هواية الرسم منذ الصغر، وعند افتتاح معهد التربية الفنية في الرياض انتقلت إلى مدينة الرياض، ودرست التربية الفنية في المعهد من رسم وأشغال يدوية وخلافه، واستمرت دراستي أربع سنوات، وبعد التخرج رشحت وكيلا للمعهد، ولكن كانت لدي رغبة شديدة للعودة إلى مكة المكرمة لكي أكون مؤذنا للمسجد الحرام، وأذكر أنه أقيم احتفال فأذنت فيه للصلاة، ولما سمعني الشيخ حسن آل الشيخ أعجب بصوتي وشرحت له الأمر فساعدني في العودة إلى مكة، وكان الأستاذ العطار وقتها مديرا للتعليم، وكان خطاب تعييني موجها لمدرسة عبدالله بن الزبير، ولكنه أرادني التوجه إلى التدريس في معهد المعلمين في مكة المكرمة، إلا أن شفاعة أحد الأقارب ساعدتني للذهاب إلى مدرسة عبدالله بن الزبير المتوسطة التي بقيت بها حتى أحلت للتقاعد المبكر.
جمع الطوابع
• هل لدى الشيخ الملا هوايات ما زال يمارسها حتى الآن؟
•• في الحقيقة أهوى الكشافة، وكنت المسؤول عن فرقة الكشافة في المدرسة وحصلت على دورات كثيرة في الكشافة، كما أنني أهوى جمع الطوابع منذ صغري، وأحتفظ حتى الآن بكميات كبيرة من الطوابع المختلفة، كما أهوى جمع النقود القديمة، وأملك في منزلي متحفا صغيرا يضم ما أملكه من طوابع ونقود ومقتنيات أثرية قديمة.
• ما المساهمات الدعوية خارج المملكة التي شارك فيها الشيخ الملا؟
•• شاركت في افتتاح بعض المراكز الإسلامية في الخارج، وأول مساهمة كانت في فنزويلا في مدينة «كاراكاس»، عند افتتاح مسجد الملك فهد بن عبدالعزيز (يرحمه الله)، إضافة إلى مشاركتي في دعوات أخرى في أمريكا وأوروبا، كان آخرها في جبل طارق بإسبانيا، وأكثر هذه الزيارات كانت بدعوات من مراكز إسلامية.
مخالفة مرورية
• ما المواقف الطريفة التي ما زالت عالقة في ذهن الشيخ الملا خلال مسيرته العملية كمؤذن؟
•• أذكر موقفا أنني ذات يوم، وفي وقت الفجر بالتحديد، خرجت من البيت متأخرا، وكنت مسرعا لأدرك وقت الأذان، وفوجئت بدورية للمرور عند إحدى الإشارات فاستوقفتني، وسألني الشرطي عن سبب سرعتي، فقلت له إن لدي عملا، فطلب مني الأوراق الثبوتية، ولم يكن يعرفني، وكاد يحرر لي مخالفة ويؤخرني عن الموعد، لولا أني تداركت الوضع وقلت له «إنني مستعجل وعندي أذان في الحرم»، فقال لي: «إذن الأذان يشفع لك».
• كيف كان وقع لقب «بلال الحرم» عليك.. ومن أطلقه؟
•• لا أعتقد أن هناك شرفا أكبر من أن يلقب الإنسان بهذا اللقب، وقد أبلغت به بصورة مفاجئة، وأطلقته علي إحدى الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية أثناء إحدى مشاركاتي خارج المملكة.
المصدر : عكاظ 1435/2/10
0 تعليقات