محمد سرور الصبان

مولده

ولد الرائد محمد سرور الصبان عام  1316 هـ في محافظة القنفذة التي تعبق بتاريخ طويل وواقع عنيد في ذلك الوقت بدأت الصفحة الاولى في حياة الصبان


وكانت القنفذة التي لم يظهر لها اسم في الكتابات التاريخية إلا مع بداية القرن التاسع الهجري بعد انقراض دولة بني حرام في وادي حلي. كانت في ذلك الوقت منطلقا لحملات الاتراك على عسير كما كانت سابقا منطلقا لحملات محمد علي باشا الحربية على عسير كما أنها كانت ميدانا لتطاحن القوى المتصارعة من العثمانيين والإيطاليين ولا تزال هناك شواهد من سفن الأتراك غارقة في مياه البحر الأحمر جنوبي القنفذة من جراء قصف البوارج الإيطالية، كما أنها كانت قاعدة لحملات العثمانيين وحلفائهم الأشراف على عسير وقد سميت سابقا بـ(البندر) من قبل العثمانيين والتي تعني (السوق) باللغة التركية.


في هذه الاجواء الساخنة والمتوترة ولد الرائد الصبان ولأن والده كان كرجل مال واعمال يكره الحياة والعمل في الاجواء، انتزع نفسه وولده محمد في عمر الـ 4 سنوات منها وذلك في حدود عام 1320 هـ واتجه شمالا باتجاه مدينة جدة التي كانت في ذلك الوقت جوهرة الحجاز وحاضرته الاقتصادية والسياسية.


حيث كل الوثائق وشهادات عائلته تؤكد ولادة محمد سرور الصبان في مدينة القنفذة وكما ذكر هو ذلك شخصياً في كتابه «أعلام الحجاز».

تعليمه

خرج الرائد الصبان من القنفذة تاركا كل املاك اجداده واراضيهم التي لا يزال بعضها قائما حتى الآن ، وفور وصول العائلة في جدة واستقرارها في أحد أحيائها ، أدخله والده وهو ابن الاربع سنوات في كتاب الشيخ صادق في حارة الشام وهو أحد كتاتيب في جدة كما يروي الاستاذ أحمد باديب ومنها كتاب الشيخ عبدالحميد عطية وكتاب الشيخ طه رمضان السمنهوري.


ولكن أجواء جدة في ذلك الوقت لم تكن احسن حالا من اجواء القنفذة حيث كانت بؤرة صراعات بلغت اوجهها في صراع امير مكة المعين من قبل الباب العالي في الاستانة عاصمة السلطنة العثمانية والوالي التركي بسبب العائدات الجمركية والضرائب وغير ذلك مما جعل الاوضاع غير مستقرة في جدة كما يروي هذا المستشار هاني فيروزي في توثيقه لسيرة الرائد الصبان.


وفي خضم هذه التحولات الكبرى والازمات الكبيرة ووقوع جدة في موقع يمكن لأي قوى اجنبية ان تداهمه بحرا في ذلك الوقت ولأن والده كما أسلفنا يكره اجواء الاحتقان اتخذ قرار الهجرة الثاني في غضون اشهر معدودات.

جمع والده ابناءه وزوجته وودع جدة شادا الرحال نحو ام القرى مكة المكرمة التي سيطيب له المقام فيها حتى يوافيه الاجل وهو يرى اولاده الثلاثة يتبرعمون بين حواريها واجوائها ودراسها التي كانت متقدمة على غيرها من المدارس في كافة ارجاء الجزيرة العربية آنذاك.


وفي مكة استقرت عائلة الصبان في حارة سوق الليل وهي أقرب سوق للحرم المكي الشريف ، يقع في الجهة الشمالية الشرقية. وكان سوق الليل في صدر الإسلام يطلق على الشارع العام الذي أمام شعب الهواشم ، ويسمى أيضا شعب أبي يوسف ، ويعرف الآن بشعب علي ، وأما الآن قد أصبح اسم سوق الليل شاملا لسوق الليل القديم ولشعب أبي يوسف أيضا.


وتقول بعض المصادر ان تسمية سوق الليل جاءت بسبب ان الباعة لا يمارسون تجارتهم فيه الا بعد العصر.


وبعد استقرار العائلة في مستقرها بمكة المكرمة أدخل الوالد ابنه الى المدرسة الخيرية «مدرسة الخياط» 1326 هـ التي حسب رواية ثروت كتبي من انجازات الشيخ محمد حسين خياط ، وهو من أبناء مكة المكرمة ومن خيرة علمائها وكان ذلك بدافع من غيرته على العلم وحبه لنشره بين أبناء المسلمين ، بالإضافة إلى قلة المدارس في ذلك الوقت ، وكانت فكرة تأسيس المدرسة تراود الشيخ منذ سنوات ، إلا أنه لم يتحصل على رخصة افتتاح مدرسة من قبل الحكومة التركية إلا بعد عدة محاولات، وبعد حصوله على الرخصة فتح المدرسة في داره ، وسماها «المدرسة الخيرية» ، وكان يساعده في إدارة المدرسة الشيخ حسين بن عبد الله باسلامه ، وتهدف المدرسة إلى نشر العلوم الدينية بين أبناء المسلمين وتربيتهم على تعاليم الإسلام وآدابه ، بالإضافة إلى الاهتمام بالعلوم الأخرى ، ولقد تطورت المدرسة في زمن وجيز ، وبلغ عدد طلابها في عام 1328هـ أي بعد تأسيسها بسنتين نحو (300) طالب.


وكانت تدرس من العلوم مثل ما تدرسه الصولتية ، ولكن بتوسع بالإضافة إلى بعض العلوم الأخرى ، كالتاريخ والجغرافيا وهي أول مدرسة بمكة المكرمة اهتمت بهذه العلوم الاجتماعية.


وفي عام 1333هـ وجد في المدرسة مرحلة نهائية ، وكان عدد طلاب هذه المرحلة سبعة ، ويظهر أن مستوى هذه المرحلة في العلوم الدينية والعربية كان عاليا ، وذلك لأن هؤلاء الطلاب السبعة قد تقدموا لامتحان عقدته لجنة من أجل العلماء والمدرسين لكي يصبحوا ضمن عداد العلماء المرخص لهم بالتدريس في المسجد الحرام.


كانت الدراسة في المدرسة الخيرية مجانا، وكان الشيخ رغم ضعف حاله المادية ، لا يطلب من أحد مساعدة مالية ، ولكن كان أهل الخير وولاة الأمر في مكة المكرمة يقدمون له العون المادي والتشجيع .


لقد تخرج من مدرسة الخياط نخبة كانت النواة التي ملأت الوظائف الحكومية وغيرها، واستمرت المدرسة في أداء رسالتها في العهد السعودي الزاهر ، حيث زارها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1354هـ وأطلق عليها «الرحمانية» نسبة إلى والده الإمام عبد الرحمن آل سعود.


ويصف الرائد الصبان هذه التجربة في كتاب ادب الحجاز (وتعلمت القراء والكتابة والتجويد والحساب فقط لا غير في جدة ومكة في المدارس التي كانت موجودة في ذلك الحين وتركتها للحياة العملية من غير ان اتمم دروسي) ويشرح ذلك اكثر بقوله (لم يكن للعلم دور يجد فيه الطالب المتعطش طلبه من العلم والأدب اللهم إلا المدارس الابتدائية التي ضيق عليها الخناق ولا تتعدى حيزا محدودا لها ، كما لا يوجد إلا كتاتيب بسيطة يفك فيها الطالب الحرف ثم يترك حبله على غاربه يشرق أو يغرب ، فيما لم يدرس في المسجد الحرام إلا طرفا من العلم يتلقاه أنماط من الأهلين والمجاورين على نية الفتوح والبركة لهم، أو على نية العيش لمعلميهم. على ذلك نشأ جيل الشبيبة وعلى مثل ذلك درج آباؤنا والأجداد منذ ذلك العهد الذي تهدم فيه بنيان العلم في هذا البلد المقدس واندكت فيه صروح الأدب والأدباء).

وداعه للدراسة
وفي ظل كل هذه الأوضاع كانت تتنازع الرائد الصبان أمور كثيرة دراسية وعائلية واجتماعية وسياسية أيضا فوعيه المبكر جعله محور حديث اقرانه ومصدر الهامهم ونافذتهم على خلفيات ما يحدث حولهم ويبدو أنه من هذه الاجواء اطلق عليه اصطلاحا اسم الرائد لأن كلمته انذاك كانت المرشد ودرب الاستنارة في استجلاء ما ستأتي به الايام من متغيرات كانت مكة في ذلك الوقت تعيش في اتونها وكانت هي تشغل اهل المشرق كلهم، ولم يمض وقت طويل حتى حسم أمره في هذا العام المصيري في حياته اي عام 1336 وترك المدرسة وتخفف قليلا من اعباء الأعمال التجارية الحرة التي مارسها مبكرا بجوار والده واتجه صوب العمل الحكومي من خلال التحاقه وظيفيا ببلدية مكة المكرمة التي تأسست في ذاك العام وتعتبر من أولى الأجهزة الحكومية التي شكلت في ظل حكومة الحجاز المستقل عن السلطة العثمانية وكانت بداية عمله فيها.


ويروي ابن اخيه الأستاذ عبدالوهاب عوض الصبان جانبا عاطفيا عن هذا التوقيت حيث يقول (كان عمي هو المظلة التي استظلت بها العائلة في كل مراحل حياته منذ ان كان شابا فهو عندما التحق ببلدية مكة لم يكن متفرغا لنفسه وطموحاته وشؤون أصدقائه ومجتمعه وامته كما يعرف الكثيرون بل كان راعيا وحضنا دافئا لشقيقيه عبدالله وعوض وتحديدا والدي عوض لأن جدي توفي وابي لما يزل صغيرا فشمله برعايته شقيقه الاكبر محمد سرور وكان خير عوض له على فقدانه والده)


كما ان ابن شقيق عبدالله الدكتور محمد سالم الصبان له شهادة في هذا الموضوع اي العلاقة بين الرائد الرمز الصبان وشقيقيه عبدالله وعوض حيث قال لي (علاقته مع اشقائه، عمي المرحوم عوض، ووالدي المرحوم عبدالله، كانت اكثر من مثالية وقامت على الاحترام المتبادل بينهم. ولكونه اكبرهم فقد كان هو الراعي لهم بعد وفاة والدهم جدي رحمهم الله جميعا. وكان أن أسسوا بعض المشروعات المشتركة سوية، وذلك قبل انضمام عمي المرحوم محمد سرور الصبان الى الوظيفة الحكومية. وهو حينما طلب منه المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الانضمام لوظيفته الحكومية طلب منه اعفاءه كونه يمتلك شركات وعملا خاصا هو واخوته لا يستطيع الاستغناء عنه. فكان ان وافق الملك عبدالعزيز على جمعه بين الاثنين، وقد يكون هذا الامر الملكي هو الاول والاخير في هذا الخصوص.


وتجسدت محبته لاخوانه بعد وفاتهم، حيث كان بمثابة أب حقيقي عوضنا فقدان والدنا لما شملنا به من عطف وحنان وسؤال دائم رغم مشاغله الكثيرة).

تمرده وثورته وأدبه

اثرت قراءات الرائد الرمز المتقدمة على تفكيره ورؤيته للاشياء وللعالم وللظروف ووسائل الترقي ،ويصف المستشار هاني فيروزي هذه الاجواء بقوله : كان الصبان في ذلك العهد قادرا على التفاعل مع الأحداث الطويل المحيطة به وكانت روح الثورة والتمرد ضد الدولة التركية قد أخذت تظهر بعد انحسار دور الخلافة العثمانية بسقوط السلطان عبدالحميد كما أشار إلى ذلك السلطان نفسه في مذكراته التي طبعت وترجمت، غير أنه ومع كل هذا الواقع المرير كانت هناك بعض الصحف التي شكلت مصدرا آخر للثقافة رغم فقرها وعدم قدرتها على تكوين وعي أو توجيه تفكير قرائها ومتابعي تلك الصحف ومن ضمنها صحيفة القبلة.


ويضيف فيروزي، لقد عاصر الصبان السيد فؤاد باشا الخطيب الذي كان يشغل منصب وزير خارجية الشريف الحسين بن علي والذي كان يطلق عليه شاعر الثورة ويعد أستاذ الجيل الأدبي الجديد الذي نشأ في عهد الحسين فأخذ الأدباء الشباب يترسمون خطاه ويتأثرون به وبأفكاره الثورية ويرددون قصائده الشعرية، خاصة تلك التي تشيد بأمجاد الأمة العربية وتدعو إلى تحرير العرب واستقلالهم فأشلعت الحماس في نفوس الشباب ومن ضمنهم محمد سرور الصبان.


وفي نفس الوقت أخذت صحف مصر والشام تمد الحجاز بكل ما فيها من مقالات استنهاضية إضافة إلى بعض الكتب الثقافية مثل مختارات الزهور لأنطوان الجميل ونظرات وعبرات للمنفلوطي ومختارات لجرجي زيدان، وبلاغة العرب في القرن العشرين للأستاذ محيي الدين رضا، وكتاب من آثار أدباء المهجر وكتاب أم القرى وطبائع الاستبداد للكواكبي.


ولهذا لم يكن مستغربا ان يكون أول ناشر وطني للانتاج الحديث من الادب والفكر في الحجاز والمملكة هو الرائد الرمز محمد سرور صبان الذي أنشأ لمكتبة الحجازية في مكة عام 1925م.

عمله في البلدية

هكذا بدأ الرائد الصبان مسيرة عمله الحكومي في بلدية مكة المكرمة التي تعتبر من اولى مشاريع الشريف عبدالله بن الحسين لاثبات امكانية بناء مؤسسات حكومية بدون الاعتماد على العثمانيين وكان هذا هو الشعور الذي تضج به صدور الشباب الاحرار في ذلك الوقت في الحجاز وفي بلاد المشرق العربي وربما كان هذا الدافع هو الذي دعاه يتخفف من الاعمال التجارية الخاصة بعائلته ويتجه صوب العمل الحكومي رغم ان دخل التجارة في ذلك كان اكثر اغراء.


وكانت بدايته في البلدية كاتبا لما يتميز به من جمال وبراعة في الكتابة ثم بعد ذلك نقل الى وظيفة محاسب وواصل تطوره الوظيفي حتى ترقى الى وظيفة معاون رئيس البلدية وقد كان أول رئيس بلدية لمكة المكرمة هو الشيخ عبد القادر الشيبي الذي عينه الشريف عبدالله بن الحسين عام 1332هـ.


وفي تلك الايام حاول القيام بأشياء كثيرة لمكة وسكانها وضيوفها من الموقع الذي وضع فيه او من الطموحات التي كانت تمور في صدره ولكن الاوضاع السياسية والاقتصادية لم تكن كما يجب بل كانت تعيش حالة صعبة بسبب نذر الحرب التي كانت تطل على المنطقة . واستمر الوضع على هذا الحال واستمر هو في اهتماماته الثقافية والسياسية وبدأ تأثيره بين اقرانه يتزايد وقد وصف هذه الحالة الاستاذ محمد سعيد طيب بقوله (اعتبره أبناء جيله أنه العمدة وشيخ الإدارة الأول..وكان أبناء جيله من أمثال أحمد زكي يماني ، عبد الوهاب عبد الواسع، أحمد صلاح جمجوم، محمد عمر توفيق، وغيرهم على درجة كبيرة من الغرور والاعتداد بالذات.. ولكن إذا جاءت سيرة الصبان : كان هو العميد)


كما ان أولى مؤشرات كتابة الشعر بدأت تظهر عليه باعتبار ان الشعر كان الشكل الادبي الاكثر قدرة على التعبير عن انفعالاته وكان شعرا جزلا بشهادة اقرانه في تلك الفترة ولكنه لم يخلص للشعر كثيرا ولم يرد ان يكون شاعرا فقط والدليل ان كل كتبه التي اصدرها كانت في مجال النثر والفكر والنقد تحديدا.

الصبان في عهد الملك المؤسس
في هذه العوالم وتلك بدأ جيش الموحد والمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يجمع شتات البلاد ويلم تناثرها وهاهو يضم الطائف ويتجه صوب مكة وبعد مفاوضات لم تدم طويلا دخل الملك عبدالعزيز مكة عام 1345 هـ محرما ليبدأ عصرا جديدا ومختلفا لهذه المنطقة وللجزيرة العربية كلها، وبالتأكيد لم يكن الرائد الرمز في تلك السن وفي تلك المهمة المناطة به في بلدية مكة وما له من حضور تكرس بين اقرانه بعيدا عن مسار الاحداث بل كان في قلبها فعلا كما تثبت الصفحات القادمة .


ولم يكن هذا الحضور مؤقتا فعندما أعاد الملك عبدالعزيز تشكيل بلدية مكة وأعاد الملك عبدالعزيز يرحمه الله الصبان الى نفس وظيفته السابقة معاونا مساعدا لرئيس البلدية.


كما ان الملك عبدالعزيز عندما شكل مجلس الشورى (المجلس الاهلي) لمكة المكرمة في حلته الثانية رغبة في توسيع دائرة المشاركة، بعد حل المجلس السابق، وصدرت الاوامر في 8 ــ1ــ 1344هـ، الموافق 28ــ7ــ1925م، بتشكيل مجلس منتخب يمثل جميع حارات مكة المكرمة، وعددها (12) حارة، على أن يكون اثنان من العلماء، وواحد عن التجارة، إضافة إلى ثلاثة أعضاء يعينهم الملك عبد العزيز من أعيان البلد. وهنا نلحظ الجمع بين الانتخاب والتعيين. حيث جاء المجلس برئاسة الشيخ محمد بن عبد الرحمن المرزوقي، والشيخ عبد القادر بن علي الشيبي، نائبا للرئيس، و(15) عضوا، والشيخ محمد سرور الصبان، أمينا للسر.

الصبان والملك فيصل ورابطة العالم الإسلامي

روى معالي السيد أحمد عبدالوهاب نائب الحرم لمريدي مجلسه فيما يرويه من التاريخ الذي عاشه بجوار الملك فيصل تغمده الله برحمته، وغير ذلك مما عاصره من المواقف: أنه كان ومعالي الشيخ كمال أدهم يزورون القاهرة حيناً بعد حين وفي كل مرة يعودون منها يسألهم جلالة الملك فيصل قائلا: إيش أخبار عمكم محمد؟ وكان معاليه قد استقر بالقاهرة وفتح «قصر العروبة» لاستقبال ضيوفه، فيجيبون جلالته: بخير يهديكم تحياته.


وفي مرة قال لهما الشيخ محمد سرور عندما زاراه بالقاهرة بأرجع للمملكة. وعند عودتهما سألهما الملك فيصل: ايش أخبار عمكم محمد؟ فقالا له ما سمعاه منه. فرد عليهما وما الذي اضطره للسفر ومن منعه من العودة؟! .. فما كان من الشيخ أدهم – حسب رواية السيد أحمد عبدالوهاب – إلا أن عاد صباح اليوم التالي للقاهرة ليبلغ معالي الشيخ محمد ما تحدث به إليهما الملك فيصل.. فما كان من الشيخ محمد سرور – رحم الله الجميع – إلا أن غادر القاهرة في نفس اليوم عائداً إلى المملكة ليكون في كل يوم بمجلس الملك فيصل بـ«النيابة» بالبغدادية، ثم يغادره عائداً إلى مكة على مدى ستة أشهر وبعدها صدر الأمر بإنشاء رابطة العالم الإسلامي وتعيين الشيخ محمد سرور الصبان أول أمين عام لها.


وفي الاجتماع الأول للهيئة التأسيسية دخل الشيخ محمد سرور الصبان القاعة يحيط به كبار المسؤولين وأهل الفكر حتى لكأنه البدر ليلة تمامه والناس نجوم من حوله. وعندما تحدثت مع أستاذنا الكبير أحمد السباعي رحمه الله، مساء ذلك اليوم عن ذلك، بحضور كل من الأستاذ عبدالله الجفري، والأستاذ محمد جميل فضل، والأستاذ أسامة أحمد السباعي، لم يزد الأستاذ السباعي على أن قال: هذا هو محمد سرور الصبان المتألق دائماً ومن مطلع حياته.


لقد كان محمد سرور الصبان في البلدية وهو لما يزل في مستهل الحياة الوظيفية، ومع ذلك لا تراه يسير إلا وحوله كوكبة من الأصدقاء وأصحاب الحاجات وزملاء العمل في الوظيفة وذوي العلاقة بالبلدية وأعمالها.


ويضيف السباعي رحمه الله: محمد سرور الصبان شخصية فريدة تعشق الريادة!! أي نعم تعشق الريادة، وهو بها جدير لمكانته من الأدباء ودعمه لهم.


وهنا دخل علينا الأستاذ عبدالسلام الساسي رحمه الله، وسمع طرفا من حديث الأستاذ السباعي فأضاف: إي والله.. إنه الكبير بحق، وهو الرجل الفريد الذي يعطي من دون من، حتى لكأنه المعني بقول الشاعر: كأنك تعطيه الذي أنت سائله.


وأعود لمرويات معالي السيد أحمد عبدالوهاب عن معالي الشيخ محمد سرور: أن الشيخ دخل إلى مكتب معاليه بقصر شبرا في الطائف لمقابلة الملك فيصل سأله السيد أحمد عن سبب تسمية هذا القصر بقصر شبرا؟ وهنا دخل صاحب السمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن، فقال الشيخ بأدبه الجم: إن سمح لي سمو الأمير فإن الذي بنى قصر شبرا هو الشريف عون وقد استقدم لبنائه مهندسين وعمال من منطقة شبرا بالقاهرة الشهيرة ذلك الزمن بتاريخها، وبعدما تم لهم بناء القصر بالطائف سمي بقصر شبرا.


فقال سمو الأمير مساعد: صح لسانك.
أما المروية الأخيرة وقد تحدث بها معالي السيد أحمد عبدالوهاب أيضا.. فهي دخول الشيخ محمد سرور على الملك فيصل بقصره في الشيبه ليودعه عند عزمه السفر لرحلته الأخير للعلاج بالخارج.


وإذا بالملك فيصل يقول لمعاليه: لماذا يا آخ محمد كلفت نفسك فأنا الآن كنت عازما على زيارتك والأمراء معي.


وترى ما عندك إلا العافية وتروح وتجيء بألف خير إن شاء الله.. ولكن الذي حصل أن عودة الشيخ إلى المملكة كانت نهاية حياته، إذ عاد محمولا على الأعناق، وغص المطار لاستقباله بكبار المسؤولين وفي المقدمة «صاحب السمو الملكي» خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه.
رحم الله الجميع وجزاهم بكل خير لما قدموا لهذا البلد من عمل بناء.

آثاره ونتاجه الشعري

له كتاب يضم نماذج من شعره ونثره بعنوان: «أدب الحجاز أو صفحة فكرية من أدب الناشئة الحجازية» – مطبعة مصر – القاهرة – 1378هـ/1958م، وله قصائد كان ينشرها في صحف عصره تحت توقيع أبي فراس.


كذلك له كتاب بعنوان: «المعرض» ويضم مجموعة من الآراء في اللغة والأدب الحجازي.


شعره قليل، كتب القصيدة العمودية وجدد في موضوعاته، فراوح بين الشعر الوجداني والتعليمي، وهو عادة يقسم قصائده إلى مقطعات تبرز المعنى وتحافظ على وحدتي القافية والموضوع، لغته سلسة، ومعانيه واضحة وصوره المجازية قليلة.

نماذج من شعره

قال محمد سرور الصبان-رحمه الله- وكان معتقلاً بمكة:

جل الأسى وتتابعت زفراتـــي…ودنا المشيب فقلت حان مماتي
فكرت ألتمس الخلاص بحيـلة…أين المفر من القضاء الآتـي؟
ياأيها القدر المواتي إنني…بادي الضنا هلا ترى نظراتـي؟
امنن عليّ بساعة أقضي بها…حق البلاد وخذ ربيــــع حياتي
مالي إليك وسيـــلة أرجوا بها…نيل المرام فجدت بالعبرات
ويحي أيعترض القنوط عزيمتـــي…والحزم من طبعي ومن عاداتي
والدهر طوعي والزمان مصـادقي…والصبر درعي والثبات قناتي
وتمر بي شتى الحوادث خشعا…ويصيبها خور حيــال ثباتي
لكنني فرد ولست بأمــة…من لي بمن يصغى لصوت شكاتي؟

وهنا إحدى روائعه الحديثة ” إلى أبناء الغد”

أيها الأبناء سمعاً إنني
سوف أتلو لكم ذكرى السنين
***
كان لي مال وجاه وندى
وسماح فوق وصف الواصفين
أجمع المال لكي أنفقه
في مواساة العباد البائسين
فكأني حاتم في قومه
أصرف الأموال في وجه قمين
يلهج الناس بشكري دائماً
ويعيشون بفعلي آمنين
***
غير أن الدهر عاداني ولم
أدر ماذا يبتغي مني الخؤون
ورماني بصروف قوّضت
وأمادت ذلك الركن الركين
أخذت مالي وهدت قوتي
وحنت ظهري تباريح السنين
***
ثم لما علم القوم بما
كان من أمري تولوا معرضين
وانبرى البعض فأضحى قائلاً:
إنما هذا جزاء المسرفين
لا يبالون إذا ما أنفقوا
أجزافاً أم لمدح المادحين
أم تراث ورثوه فجأة
أم كنوز، ويح من لا يستبين
***
ليس همي في الذي قالوا فما
أبعد الشك على أهل اليقين
إنما قد ساءني أنهم
أسقطوني من عداد العاملين
ورموني بظنون تركت
بفؤادي غصة الحزن الكمين
كل ذا اليوم لأني معسر
بعد أن كنت زعيم الموسرين
***
نفذ الهم إلى قلبي وقد
كان لي درع من المال حصين
وبياض الشيب وشى لمتي
بأكاليل من الماس الثمين
بعدما عاركت دهري زمناً
نلت في أثنائه الفوز المبين
خلسة الدهر تولت ومضت
ولذكراها همى الدمع السخين
يا بُنيّ اصبر ولا تيأس إذا
مسّك الهم وجافاك الخدين
إن في الصبر سلاحاً واقياً
من شرور الناس والداء الدفين
في زمان أصبح المال به
سلم الخزي لبعض الفاسقين
وغدا الدينار طوعا للأُولِي
بددوه في تعاطي ما يشين
***
حكمة المولى فلا منع لما
قد قضاه الله رب العالمين
فانهج الحق ودع طيش الصبا
واتَّبع خطو الجدود الأولين
واسكب الدمع على عهد مضى
إن في الدمع عزاء للحزين

 

المصدر