د. كوشك: نظفنا بئر زمزم والمعارك مع جهيمان تدور في الحرم المكي

فتح د. يحيى كوشك مدير مصالح المياه بالمنطقة الغربية سابقًا حافظة ذكرياته للمدينة، وتحدث عن ماء زمزم إكسير الحياة وصانع النجاحات، كما روى للمدينة مواقف الأمير ماجد رحمه الله، وكيف قدمه على نفسه، وجعل منه فارسًا بكتاب، وعرج كوشك في ذكرياته على مكانة الملك خالد الذي أهداه عبارة لا ينساها يوم قال: «الآن أنت وثقت زمزم كما ينبغي» فتعالوا نسمع لـ د. كوشك وهو يروي الماضي الجميل


* ما قصة هذه الصورة التي تجمعك بالملك خالد؟
- هذه الصورة التقطت في اليوم الخامس عشر من شهر محرم العام 1400هـ في افتتاح الحرم المكي للمصلين والزوار بعد تحريره من جهيمان وأتباعه، وكنت أعرض على الملك خالد رحمه الله على مسرح النزهة تقريرا بنتائج الأعمال والأبحاث التي أجريناها على بئر زمزم في الشهور السابقة والتي ترافقت مع هذه الأحداث التاريخية لاحتلال الحرم المكي.

منابع زمزم
* كيف بدأت قصة استكشافك منابع ومصادر مياه بئر زمزم وتوليك مسؤولية إجراء الأبحاث عليها؟
- حدث أن ظهرت مياه قريبا من بئر زمزم اعتقد الناس أنها من مياه زمزم، فتم الطلب مني التحقق من ذلك وكنت حينها مديرا لمصالح المياه بالمنطقة الغربية، فاكتشفنا مع عمليات البحث أن الماء سطحي وينبع من عمق اثنين إلى ثلاثة أمتار، وحفرنا قليلا لنكتشف أن الماء هو لعين زبيدة وليس لبئر زمزم كما يظن الناس.


ومن الأمور اللطيفة أن بيت العائلة كان أمام باب الصفا القديم وكان هناك خرزة (منبع للماء) يغرف الناس منها بالدلو الماء أسفل هذا البيت، وكان الصفا يقع خلف البيت بمائة وخمسين مترا، فكان بيتنا أقرب للكعبة منه في منتصف المسافة بينهما، وعندما صعدت من الحفرة التي كنا نستكشف حقيقة مائها تخيلت مكان بيتنا بالنسبة لها فعرفت أن ماء بيتنا أيضا هو لعين زبيدة وليس كما كنا نعتقد.

بئر زمزم
* متى بدأتم العمل في بئر زمزم؟
- قبل حادثة جهيمان بأشهر في العام 1399هـ وكان هدفنا في ذلك الوقت اكتشاف منابع ومصادر بئر زمزم.


* ما الذي قادتكم إليه أعمالكم وأبحاثكم لاستكشاف منابع «زمزم»؟
- قمنا بإنزال بعض الغواصين إلى البئر ومعهم بوصلات ليحددوا اتجاهات المنابع، لكن ما حدث هو أن البوصلات لم تعمل رغم تكرار تغييرنا لها، فحدث هرج ومرج بأن هذه إحدى المعجزات، إلا أنني كنت أريد دراسة الأمر والتحقق منه قبل الانجراف خلف هذه المشاعر، فأنزلنا الغواصين مع كاميرات أعماق الماء واكتشفنا أن البئر تحوي دلاء ومواسير ومواد معدنية كثيرة وهو ما أثر في عمل البوصلات.


* كم كان عمق البئر؟
- قبل استكشافنا للبئر كان الاعتقاد السائد أن عمقها يبلغ 18 مترا، إلا أننا اكتشفنا أنه يصل إلى 30,5 متر، وقد طلبنا من المقام السامي إزاحة الأدوات الحديدية كي تعمل البوصلات لتسهيل عمليات البحث والاستكشاف، وكان كلما غطس غواصونا لعمق 50 سم اكتشفوا تاريخا يعود إلى الوراء خمسين عاما، وهو ما اكتشفناه من بعض التواريخ على النقود القديمة أو مما تركه الناس من مواد كذكريات إلى أن وصلنا إلى أقصى عمق حيث العملات الأقدم صدئة وممحو ما هو مكتوب عليها.


* من حدد هوية هذه الآثار والفترات التاريخية التي تنتمي إليها؟
- نحن دورنا كان يقتصر على جمعها، وطلبنا من الرئاسة العامة لشؤون الحرمين تحويلها إلى هيئة السياحة والآثار.

صعوبات البئر
* ما الصعوبات الأخرى التي واجهتموها خلال عملكم في بئر زمزم؟

- لقد واجهتنا صعوبات جمة، وكما قلت سابقا فنحن بدأنا العمل في البئر قبل أحداث احتلال الحرم المكي بأشهر قلائل، وتوقفنا عن العمل بعد فترة لأن شركة بن لادن كانت قد بدأت أعمال التوسعة، ولم يمض وقت قليل إلا واحتل جهيمان وأتباعه الحرم مع أول أيام العام الهجري 1400 وحدثت المواجهات القوية بينهم وبين الأمن السعودي الذي استطاع بعد أيام إلجائهم إلى البدرومات، وقد كانت الكهرباء مقطوعة عن جميع الحرم، وبالتالي توقفت المضخات التي ترفع الماء من عين زبيدة المكتشفة فتجمعت مياهها حول بئر زمزم ثم اختلطت بمياهه، فطلب مني وسط هذه الظروف استئناف أعمال تنظيف البئر كي تعود إلى حالتها الطبيعية استعدادا لافتتاح الملك خالد الحرم المكي للمصلين بعد القضاء على جهيمان ومن معه، وأصبحت أحد أفراد قيادة العمليات المتقدمة.


* كيف استطعتم العمل والمواجهات مع الأمن ما زالت مستمرة؟
- عندما بدأنا العمل بناء على الأوامر لم نستطع الوصول إلى البئر بسبب المياه المرتفعة حوله، وبالرغم من وجود أربع مضخات ديزل تابعة للدفاع المدني لسحب الماء فإنها لم تنجح، وكان عبدالله الجرافي حينها مديرا للكهرباء فطلبت منه توصيل كهرباء فقال لي: «من أين آتي لك بالكهرباء في هذه الظروف»، وكان هناك محول كهربائي (Transformer) عند باب الصفا فأحضرنا بكرة كبيرة للكابلات وأوصلنا أحد طرفيها بالمحول الكهربائي والطرف الآخر أدليناه إلى البئر لأننا لم نكن نستطيع التحرك في الصحن بحرية نتيجة المعارك، وقام أحد العمال بعملية فدائية إذ نزل إلى البئر وشد طرف السلك إلى داخله، وبدأنا في إنزال المضخات وبدأ العمل الذي استمر 10 أيام خلال المعارك، ومن الطرائف أن بعض العمال كانوا يحضرون لي قنابل لم تنفجر بعد ويروني إياها فأصرخ فيهم أن يتركوها وننادي سلاح المهندسين لتفجيرها.

تطهير زمزم
* متى انتهت عمليات تنظيف بئر زمزم؟

- استطعنا تجفيف ماء عين زبيدة الذي أحاط ببئر زمزم، وبدأنا أخذ عينات من البئر فوجدنا مياها دخيلة من عين زبيدة فقمنا بتطهير البئر بمادة الكلور، وبعد انتهاء المواجهات مع جهيمان وتحرير الحرم المكي، قدمت تقريرا أعددته بما تم إنجازه من أعمال وما اكتشفناه من معلومات جديدة خلال تنظيف البئر إلى سمو الأمير ماجد رحمه الله، وطلبت منه عرض التقرير على الملك خالد رحمه الله خلال زيارته إلى مكة لافتتاح الحرم المكي للمصلين.


* كيف كانت ردة فعل الملك على التقرير الذي قدمه الأمير ماجد إليه بأعمالكم؟
- الأمير ماجد رفض عرض التقرير على الملك خالد وقال لي: بل أنت من سيقوم بعرضه على الملك، فأنت من قام بهذه المجهودات والأولى بتقديمه، وكان رحمه الله يريد إعطاء كل ذي حق حقه، وبالفعل عرضته على الملك رحمه الله وخلال شرحي للصور والمعلومات الواردة فيه قال لي: «يحيى اعمل كتابا عن بئر زمزم» كي تكتب قصة عملك في استكشاف البئر»، فوعدته بذلك وبعد هذه المقابلة بثلاثة أو أربعة أيام ونحن نودعه في المطار قال لي وهو يسلم علي: «أين الكتاب؟»، وقد ظل رحمه الله كلما قابلني يسألني عن الكتاب وبقيت محرجا بسبب ذلك، فالكتاب يحتاج لمجهود وبحث في المراجع لأن فيه نواحي تاريخية وتفاصيل كثيرة، وعندما انتهيت منه لاحقا أهديته للملك خالد الذي كان له فضل في ظهوره إلى النور فقال لي: «الآن أنت وثقت زمزم كما ينبغي»، فقد كان ما يكتب عن زمزم ليس حقائق مائة في المائة، لكن ما قمت فيه بالكتاب كان حقائق علمية ووصف للبئر جاء نتيجة عمل ميداني وبحثي، وقد شكرني الملك فهد أيضا على هذه الأبحاث التي قمت فيها عن بئر زمزم.


* هل استطعتم اكتشاف منابع مياه زمزم؟
- اكتشفنا أن هناك مصدرين أساسين لبئر زمزم أحدهما يتجه ناحية جبل قبيص والآخر يتجه ناحية الكعبة باتجاه حجر إسماعيل، وقد فكرت باستغلال فرصة العمل في البئر للقيام بتجربة قد لا تتكرر مرة أخرى وهي إفراغ البئر لاكتشاف مصادر المياه وتصويرها وأخذ عينات منها، لكن ما منعني خوفي من عدم احتساب الوقت المطلوب لهذه العملية والذي قد يؤدي لانهيار البئر، لأن مستوى الماء سيهبط لثلاثين مترا ومعنى ذلك اندفاع الماء كالشلال من المصادر.

النصف من شعبان
* هناك اعتقادات كثيرة يؤمن فيها الناس فيما يخص البئر - هل أجريتم تجارب لاكتشاف مدى صحتها؟
- نعم ومن ذلك أن هناك اعتقادا لدى الكثير من أهالي مكة أنه في ليلة النصف من شعبان تفور بئر زمزم وفي خلال الثلاثين عاما الماضية تابعنا هذا الموضوع، ووجدنا أنه بالفعل في أول سبع سنوات تكرر هذا الأمر لكن بعد ذلك لم يحدث، وشككنا بان حسابات دخول الشهر قد تكون خاطئة، لكن اتضح لنا أن فوران زمزم مرتبط بالأمطار وهو ما لم نكن قد وضعناه في حسباننا، واكتشفنا أن هذه القصة غير دقيقة وليس فيها معجزة وحقيقة الأمر هو موسم الأمطار واختلاف التوقيت الشمسي عن القمري، لكن تظل هناك أشياء مرتبطة ببئر زمزم بالفعل لم نجد لها تعليلا.


* مثل ماذا؟
- من ذلك أنه وبالرغم من اختلاط مياه بئر زمزم بمياه عين زبيدة الملوثة كنا نشرب منها دون أن نصاب بمرض أو نتأذى، وقد كان أستاذ جامعي هو من يقوم بتحليل المياه وكان يظن لأننا أهالي مكة لم نتضرر لكن كان الكثير من العاملين من غير أهالي مكة.


وهناك حادثة أخرى من هذا القبيل إذ أخذنا ثلاث عينات من كل اتجاه للمصادر من جهة جبل قبيص ومن المياه باتجاه حجر إسماعيل وأجرينا عليها تحليلا دون أن نحدد للمختبر ما هي المصادر، واكتشفنا أن المياه باتجاه جبل أبو قبيص ملوثة بالميكروبات فيما المياه باتجاه الكعبة كانت نظيفة وخالية من أي ميكروبات ولم نجد تفسيرا علميا لذلك.


* ما الذي يعطي ماء زمزم هذا الطعم المتفرد؟
- طعم زمزم مستمد من صخور معينة ونحن نطلق على طعمها المميز بصمة زمزم وهو لا يشبه طعم أي مياه أخرى بالعالم، ومن المفارقات أن هناك بئرا تسمى «الداودية» تبعد عن بئر زمزم مائة متر فقط أو أكثر قليلا، إلا أن خصائصها مختلفة بشكل جذري عن بئر زمزم، بالرغم من أن الجيولوجيين الذين أجروا الأبحاث استغربوا اختلاف البئرين، اختلاف الأرض عن السماء رغم قربهما، ولهذا فإن زمزم مميزة وليس لها شبيه ولا ينطبق وضعها على أي بئر أخرى.


هناك قصص لعلماء انبهروا بخصائص بئر زمزم - اذكر لنا احدى هذه القصص التي ارتبطت فيك؟
نعم وهناك عالم ياباني قام بتحليل كريستالات ماء زمزم ووجد أنها تختلف كليا عن أي كريستالات مياه في العالم، وقد قابلته قبل 10 سنوات في الولايات المتحدة، وكان يتحدث خلال محاضرة عن أن الماء له ذاكرة وأن أي مؤثر يتعرض له الماء يؤثر في ذاكرته، وقام بتجارب عرض فيها الماء لأنواع مختلفة من الموسيقى وغيرها من المؤثرات الخارجية وكان شكل كريستالات الماء يتغير مع كل تجربة ومؤثر جديد، وبعد انتهاء المحاضرة قلت له ان عندنا في الإسلام أمرين يرتبطان بما ذكرته في محاضرتك بالماء، فنحن نقرأ على الماء القرآن ونجعل المريض يشربه بنية الشفاء، وعندنا ماء زمزم الذي نعتقد بقدرته على الشفاء بإذن الله، فسألني كيف يحصل على ماء زمزم ومن يقرأ له على الماء، فأعطيته أرقام المركز الإسلامي في لوس انجلوس وطوكيو، ومرت 7 سنوات دون حدوث شيء ثم أتاني كتاب من تأليفه بالبريد عليه إهداء منه وخطاب يشكرني فيه ويقول لي بأنه قام بتجربة على ماء زمزم وماء قرأ عليه القرآن.

نتائج وتجارب
* وما النتائج التي خلص إليها؟

- من ضمن التجارب التي قام فيها أنه صور شكل كريستالة الماء في حالتها العادية ثم عرض عينة الماء لقراءة القرآن عبر شريط مسجل، فوجد أن شكل كريستالات الماء تغير إلى شكل سداسي منتظم ودقيق أشبه ما يكون بكتاب، ومن الأمور الغريبة أنه عندما وصلني الكتاب فتحته بطريقة عشوائية، وعلى الصفحتين المتقابلتين كانت إحداهما توضح أثر جملة بسم الله الرحمن الرحيم على الماء وفي الأخرى أثر الصليب، فاتصلت فيه تليفونيا وسألته إن كان هذا التقابل مقصودا فنفى ذلك وقال انها صدفة، وقد كان شكل كريستالات عينة الماء التي تعرضت لجملة بسم الله الرحمن الرحيم أشبه ما يكون بجوهرة جميلة ومنتظمة فيما كريستالات العينة التي تعرضت لأثر الصليب فكانت غير منتظمة ومشوشة وغير واضحة


* وماذا عن ماء زمزم؟
- أما فيما يخص ماء زمزم، فقد كان شكل الكريستالات جميلا جدا وعلى شكل جوهرة، وقد عرض عينة ماء لصورة الكعبة والغريب أن الكريستالات اتخذت شكل الكعبة وصحن الطواف الذي نراه من الأقمار الصناعية، وقد حاول تبرير شكل كريستالات ماء زمزم الجميل والمختلف عن المياه العادية بأنه راجع لنسبة الأملاح العالية الموجودة فيها، فقام بتخفيفها بإضافة مائة نقطة من الماء العادي مقابل نقطة واحدة من ماء زمزم، إلا أن المفاجأة كانت بأن المائة نقطة اتخذت كريستالاتها شكل كريستالة ماء زمزم، وتكرر الأمر عندما زاد عدد النقاط إلى ألف مقابل واحد.


* البعض يقول ان كثرة الشرب من ماء زمزم يتسبب بزيادة الأملاح في الكلى - ما رأيك؟
- هذا الكلام غير صحيح.

المصدر : جريدة المدينة 26/07/2012